يكونُ أَنكَ تولدُ ليلةَ غدٍ، داخلَ المغارة في بيت لحم، وخارجَ المغارةِ الهيرودُسيُّون الجدُد يُبيدُون الأَطفال كما فعَل جدُّهم الأَعلى هيرودُس الذي سيَذكُر عنه لاحقًا تلميذُك متى (16:2)، “… لَمَّا رأَى المجوسَ سخِروا به، غضِبَ فأَرسل مَن يَقتُل جميع الصبيان في بيت لحم وتخومها، من ابن سنتين فما دون”… سوى أَن أَباك لن يَهرُب بكَ السنةَ إِلى مصر، لأَن بوَّابة رَفَح مُغْلَقَةٌ في وجه الهاربين من إِجرام الموت الصهايني.
ويكونُ أَنْ لنْ تُعلنَ أُلوهتَك إِلَّا على أَرض لبنان، كما سيَذكُر تلميذُك الحبيب يوحنا (1:2): “… وفي اليوم الثالث كان عرسٌ في قانا الجليل وكانت أُمُّ يسوع هناك…”، ويكون أَن تلبِّي رغبةَ أُمِّكَ التي لا تَــرُدُّ لها طلبًا، فتجترحَ في العرس أُعجوبتَك الأُولى بتحويل الماء خمرًا.. ليُكمل يوحنا (11:2) أَنْ “تلك كانت بدايةَ الآيات فعَلَها يسوع في قانا الجليل وأَظهرَ مجدَه فآمنَ به تلاميذُه”.
ويكونُ أَنْ لنْ تبدأَ مسيرتَكَ الإِلهية إِلَّا بعد اعتمادكَ في نهر الأُردن، كما سيَذكُر لوقا (21:3) أَنْ “لَمَّا اعتمد جميع الشعبُ في نهر الأُردن، اعتمدَ يسوع أَيضًا، وإِذ كان يصلِّي انفتحَت السماء”. ولأَنَّ مياه الأُردن تتشكَّلُ من ذَوْب الثلج على جبل حرمون، تَكونُ اعتمدتَ بالمياه المتقطِّرة من ثلج لبنان.
ويكونُ أَنْ تجترحَ أُعجوبةً أُخرى على أَرض لبنان، كما سيَذكُر متى (15: 21 و 22): “… ثم خرَج يسوع وانصرف إِلى نواحي صور و صيدا… وإِذا امرأَة كنعانية تخرج من تلك التخوم وتصرخُ إِليه: “إِرحمني يا سيِّد: ابنتي مجنونة جدًّا”… ولِـحدْسكَ بإِيمانها سَتَشفي لها ابنتَها، كما سيشهد بذلك متى (28:15).
ويكونُ أَنْ تتجلَّى لتلامذتكَ على أَرض لبنان، كما سيَذكُر متى (13:16): “جاء يسوع إِلى نواحي قيصرية فيلبُّس…”، ويؤَكِّد مرقس (27:8) “… ثم خرج يسوع وتلاميذُه إِلى قُرى قيصرية فيلبُّس” (والقيصرية، أَو بانياس، مدينة رومانية قديمة عند سفح جبل الشيخ على بُعد 32 كلم شماليّ بحر الجليل، يمرُّ فيها أَحدُ ينابيع نهر الأُردن… وهي جميلة الموقع على هضبة مُثَلَّثةِ تعلو نحو 350 مترًا، يفصلها عن جبل حرمون وادي خشبة، فيها مياه غزيرة وحقول خصيبة وغابات محيطة، وهي آخر مدُنٍ زارها يسوع إِلى الشمال في فلسطين)… وسيُكمل متى (1:17) أَنْ “بعد ستة أَيامٍ في القيصرية سار يسوع بـبُطرس ويعقوب ويوحنا أَخيه، وصعدَ بهم منفردين إِلى جبلٍ عالٍ” يُرجِّح اللاهوتيون أَنه جبل حرمون (جبل الشيخ) المرتفع نحو 3000 متر، شمالَ شرقيّ قيصرية فيلبس.
ويكونُ أَنك لا تغادر أَرض لبنان إِلَّا مُزوَّدًا برضى أُمِّكَ التي ستُرافقكَ في زياراتكَ التبشيرية إِلى صور وصيدا وجوارهما، وتنتظركَ في مغارة صخرية عند تلَّة مشرفة على البحر في خراج بلدة مغدوشة، سُمِّيَت كنيستُها لاحقًا “سيِّدة المنطرة” (أَي الانتظار).
ويكونُ هكذا، يا طفلَ المغارة، أَنَّ مسيرتكَ الأَرضيةَ، في أَيامٍ منها غيرِ قليلةٍ، سوف تتجسَّد على أَرض لبنان: فتَعتمدُ بمياه لبنان، وتجترحُ أَول أُعجوبة في قانا لبنان، وتَشفي ابنة الكنعانية في صيدا لبنان، وتتجلَّى لتلامذتك على قمة حرمون لبنان، وتنتظركَ أُمُّكَ عند مغارة في لبنان… فماذا بعدُ، يا طفل المغارة، كي يكونَ لبنانُ في قلبكَ منذ نبضتكَ الأُولى في مغارة بيت لحم حتى نفَسِكَ الأَخير على الصليب؟
يكونُ ماذا؟ يكون طبيعيًّا ليلةَ ميلادكَ تذكيرُك أَنَّ لبنان الذي كم استقبَلَتْكَ أَرضُه في أَكثرَ من يوم، يحتاج اليومَ عينَك على أَرضه وهي تترنَّح بين الخوف والخطر.
ويكونُ أَنْ… لِتَكُنْ منكَ أُعجوبةٌ جديدةٌ على أَرضنا، فيَغرُبَ الخطر، ويَغيبَ الخوف وَ… يُشْرقَ لبنان.
هـنـري زغـيـب
email@henrizoghaib.com