“دُرُوبُنا في الجبل حكايات… واحدةٌ للجرار الحُمر في عَيَاقة النقْلة، واحدةٌ للغناء في دُغْشَة الغروب، واحدةٌ للعناقيد والكروم، وواحدةٌ للقمَر كأَنَّ القمَر لا يَطلع إِلَّا فيها، وكأَنَّ خصلةً من القمَر تشدُّها إِلى الأَرض بالأَهداب… وتظلُّ الدربُ تمشي، عسى تعود صاحبةُ اليدِ البلَّوريةِ إِلى شبَّاكها… لوَّحَت لي مرةً من فوق درب القمر من تحت شبابيك بيتهم الغربيَّة… كانت في فستانها الزهري بِلَوْن الزهر وفي عمْر القمَر.. يومَها عرفتُ درب القمَر في ضيعتنا، ومن يومها ما غاب قمَرٌ في ضيعتنا إِلَّا فوق الدَرب، ولا طلَع قمَر إِلَّا من بيتها الغربي الذي كان فوق الدرب”.
كان ذلك سنة 1949، يومَ كتبَ فؤَاد سليمان هذه اللُؤْلؤَةَ الأَدبية، حالِمًا ربما أَن تكونَ دربُ القمَر في ضيعته مَعْلَمًا أَدبيًّا كما تَتَشَكَّلُ معالِـمُ الأُدباء في العالَم. لكنَّ القدَر القاسي اختطَفَه في 14 كانون الأَول 1951 قبل أَن يبلُغ ربيعَه الأَربعين، فَحَرَمَهُ من اثنَين: أَن يرى درب القمر ازهوهرت جمالًا، تضيئُها النُجُوم في الليل وتغازلها الشمس نهارًا، وأَن يرى على حياته كتابًا له مطبوعًا (صدر “درب القمر” أَولَ كتابٍ له سنة 1952).
سوى أَن ابنَه وليد، المتَرَهْبِن تكرُّسًا لإِرث أَبيه الذي انقصف في التاسعة والثلاثين من شبابه، عوَّض غياب والده بمتابعة إِصدارِ كتُبِه طبعةً بعد طبعةٍ بعد طبعة، وأَهَّلَ درب القمر كما يظنُّ أَن أَباه الشاعر كان يرغبها أَن تكون.
وفعلًا، أَثمرت جهودُ وليد سليمان مع وليدٍ آخَر يتولَّى اليوم وزارة السياحة بجدارةٍ مهنيةٍ ووطنية، هو الوزير وليد نصَّار الذي أَصدر قبل أُسبوعٍ قرارًا عزيزًا جدًّا على أَهل الشعر في لبنان، أَقْرَأُه كما هو: “القرار 194 – إِدراجُ مسار درب القمر في بلدة فيع قضاء الكورة على خارطة المسارات السياحية الطبيعية والترويج له محليًا ودُوَليًّا”، وهو استند في ذلك إِلى مرسوم تشكيل الحكومة، وقانون إِنشاء وزارة السياحة، ومرسوم تنظيم وزارة السياحة وتحديد مِلاكها، والمرسوم 8970 (29/3/2022) بـ”انضمام الجمهورية اللبنانية إِلى الاتفاقية الجُزئية الموسَّعة للطُرُق الثقافية” تشجيعًا السياحةَ البيئية وتسليطًا الضوءَ على أَهم المواقع. وجاء في القرار:
المادة الأُولى: يُدرَج مسار درب القمر في بلدة فيع قضاء الكورة على خارطة المسارات السياحية الطبيعية، ويُرَوَّج له على كافة المواقع باعتباره مَسارًا سياحيًّا طبيعيًّا.
المادة الثانية: يُعمَّم هذا القرار على كلٍّ من: منظَّمة السياحة العالمية، المنظَّمة العربية للسياحة، مجلس أُوروبا للمسارات الثقافية، وعلى النقابات السياحية ووكالات السياحة والسفَر.
المادة الثالثة: يُعمَل بهذا القرار فورَ صُدُوره… بيروت، الجمعة 26 تموز 2024… وزير السياحة وليد نصار”.
إِنَّ في هذا الخبر فَرَحَين: تحقُّقَ حُلْم فؤَاد سليمان بفضْل ابنه وليد بعد ثلاثة أَرباع القرن على كتابته هذا النص (75 سنة: 1949-2024)، وتحقُّقَ حُلْم وليد فؤَاد سليمان بجعْل درب القمر مسارًا عامًّا سياحيًّا وثقافيًا، بفضْل الوزير المهندس وليد نصَّار.
هنيئًا لنا بالوليدَين: ابنٍ يحرِص على تنصيع تراث أَبيه، ووزيرٍ يحرِص على تنصيع وزارة السياحة بجعْلِها وزارةً سياديَّةً، وتحويلِها وجهًا حضاريًّا عالَميًّا من تراث لبنان اللبناني.
هـنـري زغـيـب
email@henrizoghaib.com