أَوجعُ ما بات يقال في حالة السير عندنا أَنّ “الخروجَ على طرقات المدينة دخولٌ إِلى أَدغال”.
وليس في هذا القول أَيُّ مبالغة.
فكيف، إِلا بالأَدغال، نصف طرقاتِنا التي بدون خطوط بيضاء لتحديد الصفوف، بدون شرطة سير دائمين عند المنعطفات والنقاط الرئيسة، بدون حضورٍ زاجرٍ رادعٍ مَن يعبرون بكل وقاحةٍ على الضوء الأَحمر، أَو مَن يبلغون سرعةً هوجاء تعرِّضهم وتعرِّض الآخرين لـموت أَكيد، أَو مَن يَركنون سياراتهم على الرصيف، أَو مَن يوقفون سياراتهم في مكان ممنوع، أَو مَن يمرُّون زيكزاكياً بين السيارات، أَو مَن يُصِرُّون على المرور عكس السير ولو عرقلوا السير، أَو مَن يرمون زبائلهم في الشارع بكل صفاقة؟
مَن يُعاقب راكبي دراجات نارية كالدَّبابير أَو كالذُّباب الأَزرق يَمرُّون بكل وقاحةٍ بين السيارات، أَو عكس السيارات، أَو على النواصي والمستديرات والتقاطعات لا يحترمون أَولويةَ مرور ولا إِشارة كهربائية معرِّضين الناس للصدم أَو للدهس، والشرطيُّ واقف تمثالاً عند زاوية الطريق: يراهم ولا يتحرّك، بل يتحدث بالهاتف أَو يتثاءب ضَجَراً أَو ينعَس متْعَباً أَو يتحدَّث إِلى صديق يعبر؟
مَن يَردع سائقي باصات الجنون الذين يسابقون السيارات، وينعطفون يميناً مفاجئاً عند رؤْية راكب على رصيف، ويتوقَّفون فجأَة في أَيّ لحظة لا على مواقفهم المخصَّصة بل في أَيِّ مكانٍ وغالباً وسْط الطريق، ولا داعٍ لفتح الباب لأَن أَبواب الباص مفتوحةٌ أَو مشلّعة أَو مخلّعة أَو غير موجودة أَصلاً، والباص وسِخٌ مُوحِلٌ مهلهَل لا يصلح خماً للدجاج أَو زريبة للخنازير؟
مَن يَضبُط الأَمن المروري على طرقات تكثر فيها الحُفَر وتقلّ عليها السلامة وتزداد مآسي الموت اليومي بحوادث السير؟
مَن يُؤَمِّن للمواطن مواصفات الطرقات وبناء حفافي جوانبها وملاحقة قليلي الأَخلاق والضمير مَن يتركون صابون بيوتهم أَو زيوت محطاتهم أَو مجاري مصانعهم أَو مياه شطْف محالّهم أَو دكاكينهم تسرح على الطريق العام معرِّضةً فلول السيارات للانزلاق أَو الصدم أَو حتى التدهور تحت الطريق الذي بلا حاجز واقٍ؟
مَن يُسهِّل للمواطنين فتح الطرقات وأَولويات المرور عند زحمة سيرٍ باتت سَرَطاناً يومياً قاتلاً يزهق أَعصاب المواطنين الغادين أَو المتأَخرين إِلى أَعمالهم ومصالحهم، أَو الـمتنقّلين بين دوائر الدولة لإِنجاز معاملاتٍ تزيد من سُلَحْفاتِــيَّــتِــها زحمةُ السير؟
كثيرةٌ هذه الأَسئلة والتساؤُلات؟؟؟
بل قليلةٌ جداً أَمام واقعٍ مريرٍ علامَتُهُ غيابُ معاقبةِ الدولة وقاحةَ سائقين رُعَناء مُخالفين، وغيابُ مراقبتها بعضَ رجال شرطة سير في حاجة ملِحَّة إِلى دورات تأْهيل كي لا يقفوا على جوانب الطرقات سيّاحاً متفرجين، وإِذا تحركوا فـبـإِشارةٍ آليّةٍ مِن يدهم أَن تعبر السيارات التي أَصلاً تَعْبُر بدون تلك اليد التي مهما ارتفعَت لا تخيف مخالفاً ولا يحترمُها مواطن.
بلى: أَوجعُ ما بات يقال في حالة السير عندنا أَنّ الخروج على طرقات المدينة دخولٌ إِلى أَدغال.
والأَوجعُ أَن بات المواطن يَخرُج من بيته صباحاً، ولا يعرف إِن كان سيعود سليماً من عبورِه بين… وُحُوش الأَدغال.
هنري زغيب email@henrizoghaib.com