هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

خلاص لبنان بأَهل الكياسة لا السياسة
“نقطة على الحرف”- الحلقة 1605
“صوت كلّ لبنان” – الأَحد 29 كانون الثاني 2023

عن المفكِّر اللاهوتيّ الأَميركي جيمس فْرِيدُم كْلارْكْ (1810-1888) مقولتُه الشهيرة “الفرقُ بين رجُل الدولة ورجُل السياسة أَنَّ رجُلَ السياسة يَعمل للانتخابات المقْبلة، ورجلَ الدولة يَعمل للأَجيال المقبلة. رجُل السياسة يَعمل لمصلحة حزبه ومقعده في حزبه، ورجُل الدولة يعمل لمصلحة الوطن ومقْعد كل فرد في الوطن. رجُل السياسة يعمل لتوجيه الشعب إِلى تياره السياسي، ورجُل الدولة يعمل لتوجيه الوطن إِلى الأَمن والأَمان”.

من هذا المنطَلَق يمكن القول إِنَّ كلَّ رجلِ دولةٍ سياسيٌّ ناجحٌ، وليس كلُّ رجلِ سياسةٍ رجلَ دولةٍ ناجحًا.

ويَصدُقُ القول إِنَّ الوطنَ يصنَعُه رجالُ الدولة فيَخْلُدُون لا رجالُ السياسةِ العابرونَ كالغيم العابر فيَغمُرُهُم النسيانُ فَورَ يموتون.

وفي لبنان رجالُ دولةٍ خالدون أَفعالًا وأَقوالًا ونُبْلَ مآثرَ ومواقفَ ومَكْرُمات. وهنا مثال ساطع:

في انتخابات الأَحد 9 حزيران 1957 كانت تشكَّلَتْ في بيروت لائحتان: أُولى برئاسة سامي الصلح والأُخرى برئاسة عبدالله اليافي، فكانت النتيجةُ فوزَ اللائحة الأُولى بدون غسان تويني، وسقوط اللائحة الأُخرى بِمَن فيها صائب سلام وعبدالله اليافي وفوزِ المرشَّح الوحيد الذي اخترَقَ فوزَ الأُولى: نسيم مجدلاني فنالَ 16341 صوتًا مقابل 15421 صوتًا لغسان تويني.

لَم يعترضْ يومَها غسان تويني، ولم يهاجم المجدلاني باتهامات نافلة، ولَم يغرَق في عَنْعَنَاتٍ صغيرة ونَكَدٍ سياسيٍّ، ولا كان سيقدِّم شكوى طعنٍ لدى المجلس الدستوري لو كان موجودًا يومها (تأَسَّس سنة 1993). لأَنَّ غسان تويني رجُلُ دولةٍ وسياسةٍ معًا، ويتعاطى بالشأْن السياسي من منظار رجُلِ الدولة القادر لا رجلِ السياسة العابر.

وأَكثر: يومَ تُوُفِّي نسيم مجدلاني في 14 كانون الأَول 1991، كتَب غسان تويني مقالًا في “النهار” أَشادَ فيه بالمجدلاني مع أَنه كان خصمَه السياسي فَخسَّره مقعدَه النيابي الأُرثوذكسي في بيروت قبل 34 سنة (1957).

إِلى أَين من هذا الكلام؟ إِلى النُبل في التعاطي السياسي مع الآخَر على أَنه خصْمٌ لا عدو، وهو ما يجعلُ الخصومةَ السياسيةَ بنَّاءةً في هيكل الدولة، لا عداوةً تُؤَدِّي إِلى خراب الدولة بسبب ما يُسَمَّى مرَّةً شَدَّ العصَب، ومرَّةً تحصيلَ حقوق الطائفة، ومراتٍ بحثًا عن شعبية ضَعُفَتْ أَو هَزُلَتْ، فيكون احتكاكٌ، ويكون صِدامٌ، ويكون خرابٌ كالذي أَوصلَنا إِليه سياسيُّون في لبنان حتى انتقلَ بعضُ الدوَل العربية من اعتبارِ لبنانَ بلدًا شقيقًا أَو صديقًا إِلى بلدٍ خَصْمٍ في مواقفه الأَخيرة.

في المصطلح اللُغَويِّ أَنَّ الكياسةَ هي ” تَمَكُّنُ النفوس من استنباطِ ما هو أَنْفَع” وأَنها “تَتَطَلَّب الظُرْف والذَكاء واللبَاقة”، وفي لبنانَ كوكبةٌ مبارَكَةٌ تُشَرِّفُ مناصبَ الدولة بسَادةٍ من لبنان وسيِّدات.

من هنا التأْكيد أَنَّ نُهُوضَ لبنان من جحيمه الأُپوكاليبْسي لَن يُحَقِّقَه رجالُ سياسةٍ شَيْطَنُوهُ بل رجالُ دولةٍ يَنْقُلُونَهُ من قَعر القَعر إِلى القمَم التي اعتادَ لبنانُ أَن يَتَرَبَّعَ عليها ويَلْفِتُ إِليه إِعجابَ العالَم.

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib