هنري زغيب
ذكرتُ في الجزء الأَول من هذا المقال أَن قصص الحب الأُسطورية هي أَكثرُ ما يستهوي القرَّاء والمتابعين من جيل إِلى جيل. وهذا ما جعلها موضوعًا رئيسًا للنحاتين والروائيين والمسرحيين والرسامين من كل العالم.
وفصَّلْتُ في الجزء الأَول ثلاثًا من تلك القصص الأُسطُورية: اليونانية (قصة كيييْكْسْ وآلْسِيُوني) والفارسية (قصة زال ورودابِه) والهندية (3. قصة سيتا وراما).
هنا، في هذا الجزء الآخَر، الرابعة (إيرلندية) والخامسة (رومانية) وما صدر عنها من روائع في الرسم والنحت.
- قصة تريستان وإيزولْتْ
هي من أَجمل وأَشهر قصص الحب في إِيرلندا. مكتوبة منذ القرن الثاني عشر، وأَلْهمَت الكثيرين من الشعراء والرسامين لعُصُور طويلة لاحقة. تريستان، الفارس الكُورْني (من الشعب الكورنوالي جنوبيّ غربيّ جزيرة بريطانيا في إِنكلترا) أَبحر إِلى إِيرلندا ليجلب الأَميرة إِيزولْتْ إِلى والده ملك كورنوال كي يتزوَّجها والدُه. وجَدَ الأَميرةَ لكنَّ جمالَها بَهَرَهُ فعَشِقَهَا. مدرسة الرسم الأَلمانية في القرن التاسع عشر التقَطَت بشكل رائع لحظةَ التقاء العاشقَين. والتقَط الرسامون بَياض بشَرة إِيزولْتْ المرمرية. قرَّر العاشقان شرب السُم كي يموتا معًا ويَبْقَيا معًا فلا يتزوجها والده الملِك. لكنَّ ما جَرَعَاهُ لم يكن سُمًّا بل سائلًا يزيد قوّة الحب. بعدما شرباه، تعلَّقا بحُبِّهما أَكثر. والْتقط هذه اللحظةَ الرسامُ السكوتلندي جون دونكان (1866-1945) وهو غادر مدينته داندي إِلى إِدنبره كي يلتقي العالِم السكوتلندي باتريك غيديس (1854-1932) ليشكِّل معه إِطلاق حركة النهضة الثقافية السِلْتيَّة التي طبعَت القرنين التاسع عشر والعشرين. وعمِلَ دونكان على الجدرانيات في أَعمال تجسِّد تلك النهضة.
حين وصلت إِيزولت إِلى كورنول تزوَّجَت الملِك كما المقرر، لكن العاشقَين ظلَّا يسترقان الوقت كي يلتقيا حين يستطيعان ذلك. لكن رجال الملِك بَدَآ يتنبَّهان لذلك، كما يظهر في لوحة إِدمون لايتون (1852-1922). وحين علِمَ الملِك بهما حكَم عليهما بالموت، لكن تريستان نجحَ بالهرب وبإِنقاذ إِيزولْتْ معه. هَرَبا إِلى غابة قريبة، لكنَّ الملِك علِمَ بمكانهما، فَأَمَر إِيزوْلْتْ بالعودة إِلى قصره، ونفى تريستان مقهورًا خارج المدينة فلم يَعُد إِليها.
- قصة كيوبيد وسايكي
لا يمكن الحديث عن قصص الحب الأُسطورية دون التوقف عند قصة إِله الحب الروماني كيوبيد وحبيبته سايكي. أَصْلُ القصة موجود في كتاب “التحوُّلات” الذي وضعه في القرن الثاني لوسيوس أَبوليوس ماداورِنْسيس. كيوبيد هو ابن فينوس إِلهة الحب والجنس والجمال والخصوبة. شعرَت فينوس بالحسَد من سايكي البشرية الفائقة الجمال. ولكي تعاقبَها أَمرَت ابنها كيوبيد أَن يجعل سايكي تقع في حُب وحش. نزل كيوبيد إِلى أَرض البشر لينفِذ أَمر أُمه فوقَع في حب سايكي. وبدآ بعلاقة سرية تحت شرط واحد: أَن لا ترى سايكي وجه كيوبيد. لذا كان يزورها ليلًا في عتمة شديدة، وهي لحظة التقطها الرسام الإِسباني فرنسيسكو غويا (1746-1828) في لوحته “رمزية الحب”. وذات يوم غافلَت سايكي القاعدة وتسلَّلَت كي ترى كيوبيد فعاقب خيانَتَها باختفائه. أَخذَت ترجو فينوس أَن يعيدَه إِليها فوافقَت شرط أَن تخضع سايكي لعدد من القواعد، آخرُها أَن تأْخذ علبةً فيها جرعة من جمال بروزيربينا في العالم السُفْلي. نجحَت بذلك لكنها لم تحتمل إِلَّا أَن تفتح العلبة، فكان عقابها أَن تعيش حياتها في نوم دائم. وجَدَها كيوبيد فأَيقظَها بقُبْلة، كما ظهر في تمثال النحات الإِيطالي أَنطونيو كانوفا (1757-1822) فبَرَعَ في تجسيد بشَرة العاشقَين وثيابهما وشعرهما وجناحَي كيوبيد.
لوضع خاتمة لعذابهما ذهَب كيوبيد إِلى الآلهة ورجَاهُم أَن يكونا معًا. وافَق الآلهة وجعلوا سايكي خالدةً لا تموت كي تبقى مع حبيبها إِلى الأَبد.
الرسام السويسري جان بيار سانتورس (1752-1809) التقط في لوحته هنيهة لقاء العاشقَين، في لحظة نشوة مطلقة، وفي فرح أَن سيكونان معًا بلا فراقٍ بعد جميع تلك العوائق. وتنتهي قصة الحب بزواجهما في السماء، وإِنجابهما طفلةَ سَمَّيَاها “فولوبتاس” (اللذة، النشوة).
كلام الصور:
- “تريستان وإيزولت في جلسة حب”: إِدموند لايتون (1902)
- “تريستان وإيزولت”: لوحة أَلمانية من القرن التاسع عشر
- “تريستان وإيزولت”: جون دانكان (1912)
- أَنطونيو كانوفا: “تمثال كيوبيد يوقظُ سايكي بقُبْلة” (1794)
- جان بيار سانتورْس: “لقاء الفرح بين كيوبيد وسايكي” (1792)