[table id=1 /]
بهذا المقطع من قصيدة الشاعر قيصر مرعي قَـدَّم ولَدُهُ عاطف مرعي كتابَه الجديد “حَيْطورا جارة الغيم” الصادر قبل أَيّام في 320 صفحةً حجماً كبيراً، حاضناً معلوماتٍ جغرافيةً وتاريخيةً وإِحصاءاتٍ وَصُوَراً ووثائقَ وبياناتٍ ولوائحَ عائلاتٍ وأَفرادٍ، من قرية حيطورا في قضاء جزين، التي يخاصرها الضبابُ الأَبيض أُويقاتٍ مَسَويةً فكأَنهما في أُلْفةٍ دائمةٍ حتى صدَقَت تَسميتُها “جارة الغيم”.
وعن المؤلِّف أَنّ لــحيطورا قصَّـتَين: أُولى من ذاكرة التاريخ، والأُخرى نزوحُ ثلاثة إِخوة بعائلاتهم من بيت شلالا في بلاد البترون وسُكْناهم في حيطورا عند عين ماءٍ متفجرة من قلب الشير.
هي من جزين على مسافة أُغنية لفيروز، بين قيتولي غرباً وجزين شرقاً، عند السفح الغربي لـجبل طورا وعلى ارتفاع 1000 متر، قبالةَ شير جزين الصخري، تُساكنها أَحراجُ صنوبر وبساتين زيتون تتخلَّلُها عرائش وأَشجار تين. أَما اسمُها فيرجِّحُ أَنيس فريحة في كتابه “أَسماء المدُن والقرى اللبنانية” أَنه يعني “حيّ الجبل”.
عانت حيطورا من أَحداث 1860 وهجَرها معظَم أَهلها هرباً من المجازر، ثم عادت إِليها الحركة تدريجاً وعرفت الاستقرار وشيوخ الصلح. وازدهرَت فيها زراعةُ التوت وتربيةُ دود القز، وامتدَّت في انبساطاتها البيادر، وتنامى العمران مع مطالع الانتداب الفرنسي، وعرفَت أَوّل نوبةٍ في المنطقة سنة 1927، وازدهرَت بلدةَ اصطيافٍ عامرةً، وكانت ملتقى الشعراء وعجَّت مقاهيها بالحفلات. وحين وقعَت ضحيةَ زلزال 1956 تصدَّعَت فيها بيوت وكنائس، لكنها عادت من جديد إِلى الحيوية فتَشَكَّل فيها أَولُ مجلس بلدي سنة 1958، وتأَسَّس فيها “نادي الشير” سنة 1967 يَدعم المدرسةَ الرسمية ويقوم بأَنشطة ثقافية واجتماعية.
ويُنهي المؤَلِّف كتابَه بفصل خامسٍ سَرَدَ فيه ثَـبْـتـاً موسَّعاً مفصَّلاً بأَسماء رهبان من حيطورا، وكهنةٍ خدموا رعيَّتها، ومَن اشتُهر في بَـنـيـهـا من أَهل القلم والأَساتذة الجامعيين وكبار الموظَّفين في القطاعَين الخاص والعام، وأَبرزَ ما قيل شِعراً في حيطورا، وأَسماءَ المخاتير والـمعمِّرين والزيجات والوَفَيَات، وما إِليها من تفاصيلَ أَتْبَعها بِـمُلْحقِ صُوَرٍ ومُلحقِ وثائِقَ ومُلْحق عائلات، حتى لَكَأَنّ هذه الحيطورا كلَّها بين يديك في كتاب.
وكما بادر عاطف قيصر مرعي فكَتَب عن بلدته حيطورا، حبَّذا لو يبادر الكثيرون فينسُجُون قُراهم وبلداتِهم على نَول الاستذكار، كي تبقى للغَدِ ذكرى، وللأَجيال ذاكرة، وللبنانَ كلِّه ذكرياتٌ تُمسي حديثَ أَبنائِه لأَبنائِهم، فلا يَخبُو في الوطن ظِـلٌّ لأَيدٍ مبارَكَةٍ صَنَعَت هُويَّةَ هذا الوطن.