الكلمة الأَحَبّ
ما الكلمة؟ مُجرَّد حروف؟ مضمونٌ ذو مدلول؟ شكلٌ ذو جمال؟ رمزيةٌ ذاتُ دلالة؟
للكلمة موقعٌ في الذات هو غيرُهُ في السوى. ترتبط بقارئها أو قائلها ارتباطاً ذا علاقة خاصة بأسباب ذاتية تختلف بين شخص وآخر.
كلمةٌ معيّنة بالذات: ماذا تعني لك؟ بِمَ توحي إليك؟ لماذا استخدامك إياها أكثر من سواها؟ لماذا تتكرّر في كتاباتك؟
هذه السلسلة: “الكلمة الأَحَبّ”، أسئلةٌ نطرحها على المعنيّين بالكلمة كي نصل الى خلاصة تحليلية عن اللغة ومدلول اللغة و”لغات اللغة” انطلاقاً من الوحدة الأولى الأساسية التي هي الكلمة.
بعد ستة وثلاثين جواباً من وليد غلمية وعبدالله نعمان وإملي نصرالله وأمين ألبرت الريحاني وجوزف أبي ضاهر وسلوى السنيورة بعاصيري وجوزف جبرا وزهيدة درويش جبور ومي منسّى وهدى النعماني وغالب غانم ومحمد بعلبكي وهشام جارودي وألكسندر نجار وجورجيت جبارة وغازي قهوجي وسمير عطالله وإلهام كلاّب البساط وأنطوان مسرّة وفاديا كيوان وريمون جبارة وسلوى الخليل الأمين وندى عيد وهنري العويط ومنير أبو دبس وندى الحاج ونجوى نصر وهناء الصمدي نعمان ووردة زامل ونُهاد نوفل وكريستيان أُوسّي وفؤاد الترك وشوقي بزيع وأسعد مخول وإيلي مارون خليل، هنا الجواب السابع والثلاثون من مؤسس موقع “جماليا” الإلكتروني المهندس الدكتور مفيد مسوح (أبو ظبي).
هنري زغيب
email@henrizoghaib.com
_____________________________________________
___________________________________________________
______________________________________________________
37) الدكتور مفيد مسوح: “حياتي”
الأربعاء 16 آذار 2011
كنتُ ابنَ تسعٍ يوم التقطت أذناي للمرة الأُولى أوّل عبارةٍ قيّمة في مفهوم الحياة وفلسفتها، قالها أمامي والدي عن جبران من مقطوعته “المحبة” في كتابه “النبيّ”: “أولادُكم ليسوا لكم. أولادُكم أبناءُ الحياة. والحياة لا تقيم في منازل الأمس”.
كان ذلك قبل نصف قرنٍ، وكنّا سعداء في حياتنا البسيطة المحاطة بالمحبّة. ومن يومها وأنا أفكّر في معنى الحياة، يأخذني قول المسيح “أنا هو الحياة” بعيداً في رحلة الـ”أنا” وموقعها من “الإنسانية”. واقتنعتُ باكراً بضآلة الأولى أمام الأخيرة، ولم أتَخَلَّ عن قناعتي بأن الإنسانيةَ مفهومٌ مادّيٌّ خالدٌ بذْرتُه الـ”أنا” الرّوحية التي ربطها المسيحُ بالحياة المادّية، وجبرانُ بالمستقبل (“لا تقيم في منازل الأمس”). ورحت أؤمن بأن الـ”أنا” النّقيّة الفسيحة بالغيريّة تصنع الإنسانية فلا يكون الأولاد لآبائهم (الزائلين) بل للحياة (الباقية)، بينما الـ”أنا” المشوبة المنغلقة بالذاتيّة تتقوقع في خانة الغرور الانعزالية فنسمّيها “الأنانية”
نذكر راحلاً من “أبناء الحياة” فنقول: “حياة فلان” بدلَ “هو”. ولو قال أحدٌ: “أنا” قَصَدَ: “حياتي”. هنا تذوب الثانية في الأولى. وإذا وصف حبيبٌ حبيبته بـ”حياتي” عبَّر عن ذوبان “أنا”هُ في حياته التي منحها إياها. هنا تذوب “أنا” القائد بجماعته ووطنه، و”أنا” الحكيم بأهله ومجتمعه، وأنا “النبيل” بمستقبل من يخلِفُه.
الحياةُ أغلى ما في الـ”أنا”. لكل واحدة من ثوانيها مكوّناتُها قيمة المجموع. وأفضل قيمة للثانية الزّائلة جدوى مَلْئِها في ما يطيل الثواني اللاحقة. وليست القيمة في كمية شهيق المرء وزفيره بل في طاقة يأخذها من الشهيق الجسدُ والعقلُ ويستخدمانها لإسعاد الآخرين، وسعادة الذّات في سعادة مَن حولَها.
“حياة” الـ”أنا” ملكٌ له روحاً، وملكٌ لغيره “جسداً”. بها يسعدون وبها تثرى الإنسانية بقدر جوهريّة ثوانيها.
نصفُ قرنٍ وأنا أستمتع بكلمتي الأحبَّ: “حياتي”. أقولها قاصداً “أنا”، وأهديها إلى مَن أحبُّ وما أحبّ، مغتبطاً أن أكونَ ثواني معطّرةَ بالانتظار، عشت ما انقضى منها تنفُّساً منَحَني طاقة إسعاد الآخرين.
وثلاثة عقودٍ وأنا أسمِّي رفيقة عمري بالكلمة الأحبّ: “حياتي”. أقولها صادقاً فتتقبّلُها حبيبتي مبادِلةً، ويأتينا صدى عناقها الثوانيَ الآتية، نتفاءلُ بمدِّها انتظاراً أنيقَ الخطوات. وما قيمةُ ثانية لا يكون عطرُها انتظاراً للتي ستليها؟
___________________________________________
*) الأربعاء المقبل- الحلقة الثامنة والثلاثون: الشاعر محمد علي شمس الدين.