الأربعاء 7 تموز 2010
الكلمة الأَحَبّ
ما الكلمة؟ حروفٌ، مُجرَّد حروف؟ مضمونٌ ذو معنى، ذو مدلول؟ شكلٌ ذو جمال؟ رمزيةٌ ذاتُ دلالة؟
للكلمة موقعٌ في الذات هو غيرُهُ في السوى. ترتبط بقارئها أو قائلها ارتباطاً ذا علاقة خاصة بأسباب ذاتية تختلف بين شخص وآخر.
وللكلمة مدلولٌ ذو بُعدٍ شَخصيٍّ وعاطفي واجتماعي وروحاني ومهني وارتباط بالموقع وبشخصية مستخدمها. ولها معناها الاصطلاحي من هنا علاقتها بالمعنى والمدلول والسياق.
وللكلمة تاريخها وأصلُها وهُويتها: هل هي بنتُ لغَتِها؟ مركّبة؟ مستوردَة من لغة أخرى؟ مترجَمة عن لغة أخرى؟
كلمةٌ معيّنة بالذات: ماذا تعني لك؟ بِمَ توحي إليك؟ لماذا استخدامها لديك أكثر من سواها؟ لماذا تتكرّر في كتاباتك؟
هذه السلسلة: “الكلمة الأَحَبّ”، أسئلةٌ نطرحها على المعنيّين بالكلمة كي نصل الى خلاصة تحليلية عن اللغة ومدلول اللغة و”لغات اللغة” انطلاقاً من الوحدة الأولى الأساسية التي هي الكلمة.
بعد أجوبة وليد غلمية وعبدالله نعمان وإملي نصرالله وأمين ألبرت الريحاني، هنا جواب الشاعر جوزف أبي ضاهر. هنري زغيب
email@henrizoghaib.com
__________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
5) جوزف أبي ضاهر: طفولتي
بَدأتُ بها، وسَأنتهي بها. ما فارقتْني، وما فارقتُها، ولو استطاع الجسد خداعًا، والعمر مواربةً، والهويّة غضّت طرفًا وما اعترفَتْ بها.
هي “طفولتي” اللابسةُ غير وجهٍ، حبًّا بيّ، فلا أُتَّهم بنقصٍ في النضج.
معها عرفتُ الأحلام، وحَكايا الغيب، وكُنت شقيًّا، أُحارب بسيف من قصب، وأَلبس الشمس قبّعةً، ولا أَرجع الى البيت إلا ساعة يتعب الغبار ويستريح على ثيابي.
في مساءاتِ طفولتي كم صلّيت لأكبَر. كم مددتُ يدي الى نجمة لأقطفها ومنعتْني المسافة.
كبرتُ، وما زالت تمنعني.
كنتُ وأصدقاء، معها، نُتقن شيطنات لذيذة. “نُخربط” مساكب الزهر، وأعشاش الطير، ومجرى السواقي، ونسجن “الزيز المذهّب” في عُلب كبريتٍ بين أوراق ورد.
… وكنت على حبٍّ مع الساكنِ فوق، حيثُ تصل طيّارة ورقٍ ملوّنٍ صنعتُها بيدَيّ وأرسلتُها إليه لتقول له: “أحبّك”. وهو أحبّنا، وقال لمن أَسكتونا: “دعوهم يأتون إليّ”، وأعطانا خبزًا وفرحًا وراحة بال.
كَبرتُ. أزهر الشتاءُ ثلجًا، أخذ بعض دفء الجسد، ولم يقوَ على الروح. ما زالتْ تعيش في الطفولة.
حين أَكتب، وأَحكي، وأَرسم، وأَنْحَت، آخذ برأي الطفل الساكن أعماقي. أَظلّ على تواصلٍ معه، ولو لم يَقنع العالم كلّه بما أفعل.
طفولتي هي الأحَبّ: كلمةً، وحياةً، وأُسلوبَ عيش.
أُعلنها الآن، وتَشهدُ قناعتي على ما أَقول… وأَفعل.
___________________________________
*) الأربعاء المقبل- الحلقة السادسة: سلوى السنيورة بعاصيري