هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

48- يشغلهم لبنان… لكثرة ما هو لبنان

11 آذار 2008 العدد 12492 السنة 37

بارجةٌ أميركية قبالة المياه الإقليمية اللبنانية بعيداً عن مياه لبنان، مفاوضات في الدول الإقليمية بعيداً عن أرض لبنان، تنويهٌ في خُطَب رؤساء الدول العالَمية بعيداً عن دولة لبنان.
كلُّ هذا لأنه لبنان، ولكثرة ما هو لبنان.
لن أدخلَ في ظروف وصول البارجة الأميركية “كُول” قبالة لبنان، ولا في معطياتٍ لدى رؤساء دول لم يعُد يَمُرُّ خطابٌ لهم في هذه الفترة من دون ذكر لبنان، ولن أدخل في مواقف دول شقيقة أعلنت أنْ لا مؤتمر قمة عربية من دون رئيس لبنان.
ما يهمّني أنّ لبنان يشغلهم لأنه لبنان، ولكثرة ما هو لبنان.
هذا الضئيل الجغرافيا والديموغرافيا، يشغل دولاً شاسعة الجغرافيا واسعة الديموغرافيا !
يشغلُها… لأنه لبنان، ولكثرة ما هو لبنان.
أعرف أن المنشغلين به، منهم من يستخدمه ساحةً لصراعاته مع أخصامه وأعدائه، ومنهم مَن يستخدم سياسيين لبنانيين لتنفيذ مشاريعه الإقليمية أو الدولية، ومنهم مَن يستخدمه نقطة انطلاق أو نقطة وُصول، وقد لا يكون أحد (أقول: قد) يشغله لبنان من أجل لبنان.
ولكنني أعرف أنهم جميعاً مشغُولون بلبنان لأنه لبنان، ولكثرة ما هو لبنان.
هذا اللبنان الأُعجوبيّ… ما زال أُعجوبة الأوطان في المنطقة والعالَم، بالعقل اللبناني، بالصيغة اللبنانية، بالفرادة اللبنانية، بالتمايُز اللبناني، بالطبيعة اللبنانية، بالإشعاع اللبناني في العالَم، بالموقع البشريّ اللبنانيّ حالةً فريدةً من العيش الواحد تحت سماء واحدة من العائلة اللبنانية الواحدة (نعم: الواحدة) ذات الانتماءات الدينية والمذهبية المتعددة في انتمائها جميعِها الى الله الواحد الأحد.
نعم: العائلة الواحدة والعيش الواحد رغم مظاهر منتشرة عن حالات خلافية بين أبناء هذه الواحدة، كلٌّ من موقعه المذهبيّ.
مش صحيحة هذه “الحالات الخلافية”. أبناء لبنان ليسوا (كما يقول عنهم سياسيون عمداً أو جهلاً) في حالة “التعايش” و”العيش المشترك”. لا. أبداً. مش صحيح. ليس في لبنان “تعايُش” بين قبائل، ولا “عيش مشترك” بين شعوب، بل جميعهم يعيشون شعباً واحداً عيشاً واحداً في العائلة اللبنانية الواحدة تحت سماء لبنان الواحدة.
فانزعوا عن لبنان واللبنانيين زعماء سياسيين لا مكان لهم إلاّ في المقاعد الطائفية، وسترون اللبنانيين (عدا الأتباع والأزلام والمحاسيب والقطعان) متعانقين إخوةً أحباباً لا يفصل حتى الهواء بين زنودهم المتخاصرة، ولا بين أيديهم المتشابكة، ولا بين مناكبهم المتكاتفة.
هذا هو الـلبنان الحقيقي: لبنان الذي ينشغل به العالَم لأنه لبنان ولكثرة ما هو لبنان.
بارجة أميركية قبالة المياه الإقليمية اللبنانية بعيداً عن مياه لبنان، مفاوضات في الدول الإقليمية بعيداً عن أرض لبنان، تنويهٌ في خُطَب رؤساء الدول العالَمية بعيداً عن دولة لبنان؟
كل هذا صحيحٌ وحاصل، لكنه الى زوالٍ ولو بعد حين. ووحده باقٍ، كأرزه الخالد، هذا اللبنان الأُعجوبيّ الذي يؤرِّخ للعالم تاريخ هذه المنطقة في هذه الحقبة من التاريخ، لأنه لبنان… ولكثرة ما هو لبنان.