5 شباط 2008 العدد 12457 السنة 36
بكل حزمٍ وعزمٍ وحسم، وقف رئيس وزراء أستراليا جون هاورد (الأسبوع الماضي) يَخطب في شعبه بلهجة لا تقبل الجدَل، وبنبرة الرئيس الحاكم الحازم الحاسم يردّ على متظاهرين (غير أستراليين) أحدثوا شغباً في الشارع، ويقول: “على المواطنين غير الأستراليين أن يتأقلموا مع البيئة الأسترالية. أَتعَبَني أن تظل أمتنا تراعي ظروف الجوالي المتعددة على أرضنا، وأبناء هذه الجوالي لا يراعون بيئة أمتنا وقوانينها وتمسُّك أهلها بها وبقوانينها. إن ثقافتنا في أستراليا تكوّنَت منذ ما يزيد عن قرنين من النضال والحكمة والاستشهاد في سبيل الحرية والاستقلال. لغتُنا الرسمية هي الإنكليزية، لا الإسبانية ولا الصينية ولا اليابانية ولا أية لغة أخرى. وتالياً: إذا شئتم أن تكونوا جزءاً من مُجتمعنا، تعلَّموا لغتنا الإنكليزية. إن معظم الأستراليين يؤمنون بالله وفق ثقافتهم ولا يفرضون ثقافتهم على أحد، فالأحرى بالآخرين ألاّ يفرضوا ثقافتهم علينا. نحن نحترم ثقافات الآخرين وعاداتهم وتقاليدهم، وكل ما نطلبه منكم أن تحترموا ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا. رضينا أن تهاجروا إلينا ونستقبلكم بما عندكم من ظروف احترمناها ولم نسألكم عنها ولم نناقشكم بها، وكل ما نطلبه منكم: أن تقبلوا ظروفنا وتحترموها وتعيشوا معنا في أمان وسلام. إنه بلدنا نحن، وهذه أرضنا نحن دافعنا عنها كي نستاهلها. هذا بلدنا ونحرص عليه. كثيراً نحرص عليه وعلى عاداته وثقافته وأسلوب عيشه. لذا نقدِّم لكم فرصة أن تَغنَمُوا من الأمان والسلام عندنا وتعيشوا في ظل عَلَم بلادنا. إذا كان لديكم اعتراض على ذلك، أدعوكم فوراً الى الاستفادة من حق مشروع لكم تعطيكم إياه حرية بلادنا الأسترالية: هو حقُّ المغادرة. إذا لم تكونوا سعداء هنا، إرحلوا. نحن لم نرغمكم على أن تأتوا الى بلادنا. أنتم طلبتم منا أن تأتوا فاستقبلناكم. لذلك: إقتَبلوا ظروف البلد الذي اقتَبلكم واستقبَلَكم”.
كم يستقرُّ بال المواطن الذي يسمع رئيس حكومته يتحدّث بهذا الحزم ويأمر بهذا الحسم ويطرح كرامة بلاده بهذا العزم.
حق التظاهر مشروع في كل بلد يحترم حرية الآخرين. شرط الديمقراطية احترام الرأي الآخر في القول والتعبير بأي شكل من أشكال الاعتراض، ومنها التظاهر والمطالبة بالحقوق، شرط ألاّ يتعدّى هذا التظاهر حدود احترام الآخرين وهناءتهم وأمنهم وسلامهم الوطني وسلامتهم الشخصية.
أما أن يصبح التظاهر غابةً فالتة من كل نظام واحترام، ويعمد المتظاهرون الى التكسير والتعبير بوسائل همجية وقطع الطرقات وأرزاق الناس وإحراق الدواليب والسيارات باسم حرية التظاهر، فهذا ما ينتفض له المسؤول ويمنعه، سواء أتى من الجوالي الأجنبية أو الشقيقة أو الصديقة، أو أتى من أبناء البلد الذين، من فئة سياسية معينة، يعترضون على الفئة المقابلة في البلد نفسه.
المتظاهرون، إجمالاً، أدواتٌ في أيدي مُرسليهم ومُحرّضيهم والواقفين وراء مظاهراتهم وتخريبهم وصولاً الى غايات ومآرب سياسية كيدية أو مغرضة.
وحده الشفاء من هذا الوباء (سواء أثاره أهل البلاد أو سكانها من الجوالي المهاجرة الى البلاد) يكون في الحزم والحسم والعزم، الثالوث الذي به عالج جون هاورد هذا الموضوع انتصاراً لبلاده وشعب بلاده وتراث بلاده وثقافة بلاده.
رئيس الحكومة؟ هكذا فليكن، أو فليسقط الحاكم المائع على أعتاب الكرامة، لأن كرامة شعبه أحلى وأعلى وأغلى من أية مراعاة صديقة أو شقيقة أو رفيقة تُوْدِي بنظام بلاده الى فوضى شريعة الغاب.