8 كانون الثاني 2008 العدد 12429 السنة 36
مع فجر العام الجديد 2008 بدأ في فرنسا تطبيقُ قانونِها الجديد بِمنع التدخين في المطاعم والمقاهي والأماكن المقفلة على جميع الأراضي الفرنسية، تحت طائلة غرامة مرتفعة “موجِعة” كي لا يستسهلَ المدخّنون قيمة الغرامة فيواصلوا التدخين.
هذا القرار الفرنسي أتى لينضمّ الى قرار سابقٍ من لندن بدأ تطبيقُه مع فجر النصف الثاني من العام الماضي (1/7/2007) بِمنع التدخين في الأماكن العامة على جميع أراضي إنكلترا وويلز، بعدما كان تطبيقه بدأ في شمال إيرلندا وسكوتلندا ونحو 35 دولة، شاملاً حظر التدخين في المكاتب والمطاعم والحانات وسيارات التاكسي. وفي بنود القرار أن المخالفين يتعرّضون لغرامة مرتفعة (“موجِعة” هي الأُخرى)، وأصحاب الأماكن يتعرّضون لإقفال مؤسستهم التجارية نهائياً.
هذا المنع، في فرنسا وبريطانيا، يشمل السيجارة القاتلة، والأركيلة الأقتل منها. فعن دراسة أصدرتها منظمة الصحة العالمية نقلتها قبل أُسبوعين إذاعة “بي.بي.سي” (هيئة الإذاعة البريطانية) في نشراتها وعلى موقعها الإلكتروني، أنّ ضرر تدخين الأركيلة ليس أقل إيذاءً من السجائر، لأن التعرُّض لدخان الأركيلة في الجلسة الواحدة يعادل تدخين ما بين 100 و200 سيجارة. وأشارت الدراسة الى ارتباط وثيق بين زيادة البدانة الخطرة، وتدخين النارجيلة الأكثر خطراً. وهكذا تكون أوروبا وضعت حداً لخطر هذه الأركيلة القاتلة التي دخلَت العالم العربي مع الاحتلال العثماني في القرن السادس عشر، قبل نحو 500 سنة، مقصورة على الأتراك الأغنياء ثم انتشرت تباعاً في أوساط الفقراء والطبقات الشعبية الدنيا، وتوسّع انتشارُها عربياً ودولياً. وهي كانت أساساً ظهرت في الهند عند نهاية الألف الأول وسيلةً لتدخين الأفيون.
من دراسة صدرت الأُسبوع الماضي في جريدة “لوموند” الفرنسية أنّ “شركات التبغ تبيع في العالم نحو 15 مليار سيجارة يومياً، معظمها في أسواق آسيا، وخصوصاً العالم العربي (يدخّن فيه يومياً ثلثا الرجال نحو 20 سيجارة، ويبدأ تدخينها نحو 100 ألف مراهق كل يوم). وتتوقّع منظمة الصحة العالمية أن يزيد عدد المدخنين في العالم سنة 2030 عن المليارين، معظمهم نساء”.
شركات التبغ الفرنسي (“غولواز” و”جيتان” تحديداً، وهما علامتا صناعة تبغ في فرنسا تدرّ على خزينة الدولة مدخولاً عالياً) رفعت اعتراضاً على قرار المنع. وفي لندن قامت حملة بشعار “مُجتمع من أجل الأركيلة” وقّعها نحو 10 آلاف شخص معظمهم من العرب في إنكلترا. لكنّ قرار باريس ولندن جاء حازماً حاسماً زاجراً مندّداً بالعقوبات والغرامات القاسية “لأن صحة الناس ليست عرضة مَجانية لِمزاجيّة المدخّنين في الأماكن العامة المقفلة”.
القناة التلفزيونية الفرنسية الخامسة أجرت تَحقيقاً في الأيام الأولى من العام الجديد أَظْهَرَ مدخّنين خارج المطاعم والمقاهي متجمّعين عند الزوايا يدخّنون في الصقيع القارس مُختبئين مُنْزَوين كمن يأتون أمراً شائناً أو كمن يرتكبون موبقةً مُحرّمة، والتقطت الكاميرا تعليقات لهم قال فيها بعضهم إنه سيقلع عن التدخين تدريجياً، فيما أصرّ آخرون على التدخين في الخارج ولو… ماتوا.
هكذا تتّسع في أوروبا إجراءات “زجر” المدخنين لا بمنعهم عن التدخين (فالحرية الشخصية مصانة دائماً) بل بمنعهم عن إيذاء الآخرين بتدخينهم (وهنا تنتهي حريتهم الشخصية)، وهو ما كانت السلطات الأميركية من زمان بدأت به في الطائرات والمطاعم والمقاهي والمكاتب وجميع الأماكن المقفلة.
دُول العالم العربي، لعلّها تتّعظ بقراراتٍ صارمةٍ مشابِهة، فتنتقل من التخلُّف الى… التخلُّف الأَقَلّ.