كانت خمسةً فأَصبحت ستَّة بدخول”معرض رشيد كرامي الدُوَلي” مَعْلَمًا تراثيًّا على قائمة “مواقع التراث العالَمي”.. وكانت لنا قبلًا خمسةُ مواقع دخلَت القائمة تباعًا: عنجر (1984)، صُوْر (1984)، بيبلوس (1984)، بعلبك (1984)، وادي قاديشا (1998)، وحديثًا “معرض رشيد كرامي الدولي” في طرابلس (2023).
الــمَعْلَم الجديد صمَّمه المهندس المعمار البرازيلي أُوسكار نيماير (15 كانون الأَول 1907 – 5 كانون الأَول 2012) وهو مصمِّم “نيوبرازيليا” ومواقع عالَمية أُخرى في أَميركا اللاتينية.. عُرف بحداثة أُسلوبه المعماري الطليعي رائدًا عالَميًّا في تيار الهندسة الحديثة، مستلهِمًا في معظم تصاميمه عناصر الطبيعة والتصاميم المدوَّرة.
بين الإِنجازات الكبرى التي أَطلق مشاريعَها الرئيس فؤَاد شهاب في عهده منذ مطلع الستينات وحقَّقت نهضةً إِنمائيةً مباركة، كان إِنشاءُ “معرض طرابلس الدولي الدائم” (هكذا كان اسمُهُ يومها، بالمرسوم 6247 تاريخ 25 شباط 1961، ثم تعدَّلَ اسمُهُ إِلى “معرض رشيد كرامي الدولي” بالقانون 76 تاريخ 16 آب 1991).. بدأَ العمل على التحضيرات الأُولى، وتكليف نيماير بالتصاميم سنة 1962 واستمرَّ حتى 1967.. بعد استملاك الأَراضي وبدْء التنفيذ مبانِيَ وأَجنحةً، انتهى البناءُ الكامل سنة 1975 مع مجلس إِدارة بعدنان القصار رئيسًا وسليم الخوري نائبَ رئيس. وكان مقرَّرًا افتتاحُه في أَيار 1976 لكنَّ الأَحداث الأَمنية تفاقَمَت وتناسلت حربًا تمدَّدت حتى 1990.
يمتدُّ “المعرض” على مساحة 700،000 متر مربَّع، في نقطة محورية بارزة بين وسَط طرابلس التاريخي العريق وواحة الميناء، واعتُبر “المعرض” يومها بتصميمه وطليعيَّته “أَحد أَجمل معالِم الشرق الأَدنى الهندسية في القرن العشرين”.. وهو تشكَّلَ من أَبنية عدة، رئيسيُّها بشكل مظلَّة أَو خيمة كبرى أَو سرادق واسع أَو جَناح طير يرفُّ على مساحة 750 x70 مترًا بدون أَعمدة، كي تتَّسع لمعارض دولية سنوية كبرى يستضيفُها لبنان في طرابلس وتشارك فيها بلدان عدة في العالَم.
سنة ٢٠١٩ وضع لبنان “المعرض” على “اللائحة التأْشيرية” للأُونسكو. وسنة ٢٠٢٢ سلَّمَت بعثةُ لبنان لدى الأُونسكو ملفَّ “المعرض” (إِعداد المهندس جاد تابت( لتسجيله بشكل طارئ على “لائحة التراث العالَمي” خلال اجتماع “لجنة التراث” في حزيران ٢٠٢٢. لكنَّ اللجنة لم تجتمع حينَها، وفي ٢٥ كانون الثاني ٢٠٢٣ عَقدَت جلسة استثنائية تَـمَّ خلالها تسجيلُ “المعرض” على “لائحة التراث العالَمي” و”لائحة التراث الـمُهدَّد”، نتيجةَ متابَعَةٍ ممتازة متواصلة من سفيرة لبنان لدى الأُونسكو السيدة سَحَر بَعاصيري. وجاء الإِدراج عاجلًا تدارُكًا إِنقاذَ “المعرض” من الاندثار والإِهمال، ونقْص الموارد المالية لصيانته، وما يحيق به من مشاريع قد تقضي على حضوره وأَصالته البديعة الشكل والفاعلية.. ومن حسَنات هذا الإِدراج أَهليةُ “المعرض” بعد اليوم لاستحقاق المساعدات الدولية التقنية والمالية لإِنقاذه والحفاظ عليه.
سوى أَنَّ لبنان، بعبقرية أَبنائه الـمُخْلصين، لا يتقاعسُ منتظرًا مساعداتِ الدُوَل لإِطلاق هذه الواحة الفريدة في الشرق الأَوسط، بل بادَرَ فريقٌ مبارَك من لبنان إِلى تهيئة حَدَث فني كبير على مستوى عالَمي رائع سيَشهدُه لبنان والعالَم في الخريف المقبل (تفاصيله في “النهار” مع اقتراب الموعد) لتكون طرابلس 2023 نجمةَ لبنان العالَمية، نافضةً عنها غبارَ الأَحداث السياسية والأَمنية وسلوك السياسيين، مستعيدةً أَلقَها الساطع في التاريخ الوسيط والحديث، متأَلقةً باسمها الأَصلي Tri-Polis أَي المدُن الثلاث (صيدا، صور، أَرواد) كان حكَّامها يجتمعون على أَرضها لبحث شُؤُون شعوبهم، فكانت طرابلس بذلك أَوَّلَ أُمم متَّحدة في التاريخ.
هي هذه طرابلس، طرابلسنا الغالية.
عاصمتُنا الثانية؟ مش صحيح..كلُّ واحة حضارية في لبنان عاصمةٌ خالدةٌ أُولى للبنان الخالد.
وهنا فرادة لبنان في العالَم.
هـنـري زغـيـب
email@henrizoghaib.com