شَكْلًا: هو في حجْم الكَفّ. مضمونًا: هو في حجم ما تُعطي الكَفُّ من سخاءٍ ونُبلٍ وقِــيَــم.
هذا هو كتاب “بيروت 360″، الصادر قبل أَيام عن دار قمبز- بيروت، في 624 صفحة من الحجم الصغير، مكتنزًا في قلبه عشراتِ النصوص ومئاتِ الصوَر من أَيام بيروت العافية والجمال، تختَتِمُها هذه العبارة المعبِّرة: “في بيروت: مدارُ الشمس دائرةٌ تبدأُ من جبل صنين وتنتهي في البحر”، تعانقُها عبارةٌ معبِّرة أُخرى على الغلاف الأَخير: “كم نادرٌ وغريبٌ أَن نشْهدَ الشُرُوقَ والغُروبَ في مكان واحد من مدينة واحدة”.
ويكون أَنَّ مدارَ الشمس في المدينة الواحدة يبوسُ جبينَ بيروت، عاصمتِنا بيروت، غاليتِنا بيروت، عنوانِ قُلُوبِنا وأَفكارِنا ووجدانِنا: بيروت.
للكتاب عنوانٌ جانبيٌّ: “مَتحَف الجيب”، وهو رئيسٌ وليس ثانويًّا بل ذكيٌّ، إِذ الكتابُ فعلًا مَتحفٌ كاملٌ متنقِّلٌ معنا نحمِله في الجيب ونَفْتَحه في أَيِّ مكانٍ نقصِده، عوضَ أَن نقصِد نحن الـمَتحفَ، أَيَّ مَتحفٍ، في مكانه الماديّ الجامد.
يَفتتح الكتابَ تمهيدٌ تبريري لعنوان الـ360: منه، مثلًا: “360 دورة الأَرض حول الشمس والشمس حول ذاتها، وهي الدائرة حيث تبدأُ وتنتهي، و360 درجة من أَدراج بيروت التي تربُط البحر بالتلة، و360 قبلة من آلاف الأُمهات اللواتي يُودِّعن أَو يَستقبلْن أَبناءَهُنَّ المهاجرين أَو العائدين، و360 زهرة ياسمين في حاكورة منسيَّة قرب كورنيش بيروت، و360 موجة ترتطم بصخرة الروشة كل 60 دقيقة ومع كل موجة نُردِّد: أُحبُّ بيروت، أُحبُّ بيروت، أُحبُّ بيروت، 360 غيمة تعبُر الفضاء رحيلًا أو وُصُولًا، إِنها 360 نحبُّك يا بيروت في هذا الكتاب الذي شئناهُ مَتحفًا للجيب، للذاكرة، كي نتذكَّر دومًا أَننا لا نأْتي من فراغ”.
في مستهل الكتاب نصٌّ من نادين توما، سيِّدة “دار قمبز”، تُتَوِّجُهُ هذه العبارة: “قل للملِك، يا سيدي وشمسي، يا روح حياتي، رسالة أَمونيرا. التوقيع: حاكم بيروت”. هكذا كان ملوكُ الشرق القدامى يفتتحون مراسلاتهم مع الفرعون، في القرن الرابع قبل الميلاد، كما دلَّت على ذلك رسائلُ تل العمارنة، عاصمة أَخناتُون.
ويروح الكتابُ في مشوار بِطُول الأَبجدية: منذ الأَلِف في بيروت بين أَهل وأَسواق وأُوتوماتيك… إِلى الياء في بيروت بين ياسمينة ويمامة ويا لطيف، تتخلَّلُها رسومٌ ولوحاتٌ من أَمين الباشا ولور غريب وجميل ملاعب وآخرين، وصُوَر صُوَر صُوَر من بيروت القديمة وأَشخاصها وزُوَّارها وأَحيائها وأَسواقها وزواريبها وأَبوابها ومراحلها القديمة والوسيطة والحديثة، في أَلبُوم رائعٍ كلُّ صورة فيه تُنافس بنوستالجياها أَخَواتها في الكتاب.
“بيروت 360” ليس كتابَا لبيروتَ وحسْب. إِنه عن بيروت لكُلِّ لبنانٍ على أَرض لبنان، وكُلِّ لبنانٍ في العالَم، كي يكون لبنانُ الجمال عنوانَنَا الدائم في عصر جعلَه “بيت بو سياسة” مُظْلمًا مُشَوَّهًا حتى الشفَقَة.
فما أَحقَرَهم، وما أَعظَم لبنان!
هـنـري زغـيـب
email@henrizoghaib.com