الحلقة 951: اللغةُ جسْرُ التواصل
الأحد 24 تشرين الأول 2010
مشاركةُ لبنان اليوم في قمة الدول الناطقة باللغة الفرنسية (قمة الفرنكوفونية في “مونترو”-سويسرا)، ليست رقماً في عددِ مشاركين، بل هي حضورُ لبنانَ الحضارة في قمةٍ لبلدانِ قيمٍ وحضارات.
فمنظَّمةُ الدول الفرنكوفونية التي تأسَّست قبل أربعين سنةً في النيجر، وتضمُّ اليوم 70 بلداً (هي ثلث أعضاء الأمم المتحدة) وتمثِّل 200 مليون نسمة من القارات الخمس، ليست منظَّمةً لنشْرِ اللغة الفرنسية أو الدفاع عنها وحسْب، كما قد يتبادر للكثيرين، بل لنشْر قِيَمٍ مشتَرَكةٍ كالتضامُن والديمقراطية والتعدُّدية الثقافية وحقوق الإنسان والحقِّ في التعلُّم. وتؤكِّد المنظَّمة أن دفاعَها عن اللغة الفرنسية ليس تَحدياً اللّغةَ الإنكليزية بل هي تَوَازٍ لها لتبادُل تلك القِيَمِ بين الفرنكوفونيين كلياً أو جزئياً. ولبنان يُجسِّد تلك القِيَمَ، وهو في قلب مُهِمّتَي الفرنكوفونية الأساسيَّتين: المهِمَّة السياسية ومهِمَّة التعاون المتعدّد الجوانب، اللتين يَجتمع لتفعيلهما كلَّ سنتَين رؤساءُ الدول الأعضاء لبحث شؤون السلام والديمقراطية والتعاوُن والتربية والتنمية المستدامة.
كأنما لبنان، بتكوينه الثقافي والحضاري، صنوٌ لهذه القيَم الفرنكوفونية قبل أن تنشأ المنظَّمة، وقبل أن يكون عضواً فيها، وقبل أن يترأَّسها يوماً رئيسُ جمهورية لبنانِيٌّ سابق. الفرنسية ليست مُجرّدَ لغةٍ إضافية ينطق بها ويكتبها اللبنانيون، بل هي جسر تَوَاصُل بين لبنان والعالم. فكُلّ لغةٍ إضافية في شعب، انفتاحٌ لهذا الشعب على السوى وما لدى هذا السوى من قِيَمٍ وفضائلَ تتلاقح معاً لتُكَوِّنَ غنىً للشَّعب وغنىً للشُّعوب المجاورة وغنىً لشُعوب العالم في ما بينها. ولبنانُ غنيٌّ في ذاته وفي قيَمِه، وتالياً حضورهُ غنىً لسواه واغتناءٌ له من سواه. ولنا في البعثات والمدارس الفرنسية التي تأسست في لبنان، كما في النتاج الأدبي الفرنكوفوني وأَعلامه اللبنانيين في لبنان وفرنسا، مثالٌ ساطعٌ على إضافاتٍ حقَّقَها ويُحقِّقُها لبنان للفرنكوفونية وتالياً ليست عضويّته في المنظمة العالَميّة مُجرَّدَ انتسابِ رقمٍ الى عدد.
مثالٌ ساطعٌ آخر: أن يكونَ لبنان، بين الدول المشارِكة السبعين، أولَ دولةٍ وقَّعت مساء أمس السبت على “الميثاق اللغوي للُّغة الفرنسية”، بينه وبين المنظَّمات الفرنكوفونية الدولية.
الفرنكوفونية ولبنان علاقةُ لغةٍ عريقة وحضارةٍ عريقة. لم ينضمَّ إليها لبنان عُضْواً حيادياً، بل هو فيها فاعلٌ وناشطٌ ومبدِع، وهي هذه رسالتُه منذ كانت الحضارة: أن يكونَ عنواناً من ضَوءٍ على الصفحة الأولى من كتاب الحضارة.