الحلقة 917: هنا الكلماتُ لَها عَبَقُ الوَرد
(ليـوم الأحد 27 حزيران 2010)
حافياً كان الليلُ في بيت الدين، الجمعة أول من أمس، كأنّما كي لا يضُجَّ بنجومه وحَكَايا قَمَرِه فيتركَ الهدوء مُخيِّماً على القصر، وينعمَ الحاضرون في باحته بِمولودياتٍ عالَميةٍ تديرُ بِها عصا وليد غلمية أوركسترا لبنان الوطنية الفيلارمونية، وتصدحُ من بين آلاتها الموسيقية هبة القواس في سَحباتٍ أوپّـرالية تُلوِّن السمْع في صحو ليل الصيف.
في افتتاح الأمسية كانت أغنية “أيام الصيف” (لِجورج غُرْشْوِين، تصدح بها إيلاّ فيتزجيرالد) كأنما افتتاحاً لصيفِ لبنان واعداً بأيامٍ وليالٍ صيفيةٍ لبنانيةٍ هانئةٍ وهادئة، كما تقول الأغنية “الحياة جميلةٌ، وعيشُها سهلٌ هنِيّ، ليس فيها ما يَجرحك أو يغيظك… هي ذي الأسماك تقفز فرحةً في المياه، وقُطْنُ الغيوم عالٍ ويحلم في سعادة”.
وكان الحاضرون في باحة القصر يشعرون بالاكتفاء والهناءة، كما آملين أن تكونَ على صورة هذه الليلة بقيَّةُ ليالي هذا الصيف، تدعو الناس الى الهدوء والهناءة، والحلم بِـغَدٍ يُمكنهم فيه أن يبسطوا أجنحتهم في أمان، ويطيروا صوب أحلامهم وهم يُغَنُّون في فرح الحياة ونعمة الحب وغبطة السعادة.
***
ليلة الجمعة، أول من أمس، لم تكن افتتاحَ مهرجانات بيت الدين وحسب، مع ما هيَّأتْهُ لجنة المهرجان من أجواء شاعرية راقيةٍ ومنظَّمة، بل كانت كأنها افتتاحُ ليالي الصيف جميعاً انطلاقاً من بيت الدين، مع طيفِ أميرةٍ تُطِلُّ بعباءة قَصَبيّةٍ من بين قناطر القصر، أميرة اسمها ناديا تويني، تُتَمتم شعراً كما من الغيب:
هنا تَنبُت الزهرة والأشكال !
هنا الكلماتُ لها عبَقُ الورد !
من هنا تتطاير أسرارٌ لا وجهَ لها… تنسابُ من بين أصابع النسيم… تَحكي عن حب قديم !!!
بيت الدين تَنْدَهُ سنابلَ الوادي… فتبكي الحيطانُ فَرَحاً من زوغة الألوان… وتسافر السقوف في التماعات مياه النوافير !!!
هنا تنام الصباحاتُ وحَكَايا القمر
وفي باحة القصر تَهدُلُ القناطر، راقصةً على موسيقى عصافير نسِيَتْهَا نُجوم الليل في حنايا البساتين.
***
هكذا انطلقَتْ، حالمةً جميلةً، ليالي صيف لبنان هذا العام.
وبِهذَين الحلم والجمال، يأمل اللبنانيون:
– أن تتواصَلَ هادئةً مُطْمَئنَّةً لياليهم المقبلة للأشهر الثلاثة المقبلة، على هدأة القمر السهرانِ فوق، في صحو قرانا وبلداتنا ومدننا الفَرِحَةِ بأبنائها وسُيّاحها وزوّارها،
– وأن تتواصَلَ الليالي والصباحات في أعراسِ فرحٍ مستدام، يرنو إليها اللبنانيُّون، كما الى القمر الذي كان يرنو إليهم، تلك الليلة، أول من أمس، في قناطر بيت الدين.
هنري زغيب
