هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

9- يتنافسُون على حماية… الحيوانات

29 أيار 2007 العدد 12209 السنة 36

في الطائرة من شيكاغو إلى أورلندو (الأسبوع الماضي خلال رحلة لي قصيرة إلى الولايات المتّحدة) تناولتُ من المقعد أمامي مَجلة الطيران الخاصة بالمسافرين، فَلَفَتَني على غلافها موضوعُ “أفضل 20 حديقة حيوانات في الولايات المتحدة”. وعلى الصفحة الأُولى من الموضوع في الداخل تحت العنوان الرئيس عبارة “هذا ما أعطتْهُ الطبيعةُ لبلادنا. فلنعرفْ كيف نُحافظ عليه كي نستاهلَ نعمةَ الطبيعة ونكونَ جديرين بأن نستحقَّ بلادنا”. قرأتُ النص على صفحاته العشرين المزدانة بأجمل الصوَر لطيورٍ وحيواناتٍ برّية وداجنة ومائية هابّة ودابّة وزاحفة وكائنات عدّة من المملكة الحيوانية، فإذا الموضوعُ عرضٌ لعشرينَ حديقة حيوانات في عشرين مدينة كبرى من عشرين ولاية أميركية تتنافس في ما بينها على الحديقة الأجمل، والعناية الأفضل، والحماية الأكمل لتلك الكائنات.
وهذه المنافسة تتناول الحديقة (وقتَ التجوال فيها، قِدَمَها، ترميمَها، تجديدَها المستدام، تدرُّجَها، تنوُّعَ طبيعتها الجيولُوجية، هندسةَ مَمرّاتها، فسحاتِها بين صخرية وخضراء، نظافتَها، حزمَ الحراسة فيها، التسهيلات داخلها، لياقةَ الاستقبال إليها، عددَ زوارها)، كما تتناول الحيوانات فيها (معارضَها، بلدانها الأصلية، أعمارَها، أنواعَها، نُدْرَتَها، أحجامَها: من الأصغر=حشرات، إلى الأكبر=دوابّ على الأربع، دوريةَ الفحوص الطبّيّة، مراقبةَ النسل، الاهتمامَ بالمواليد الجدُد، حُسْنَ التربية، مكوّناتِ المأكولات، متابعةَ الصحة العامة لكل حيوان أو طير على حدة،…”. وكلُّ رئيس بلدية من تلك المدن العشرين أدلى بِما يفعله لِحديقة الحيوانات في مدينته، عارضاً الراهن، واعداً بتحسين الآتي “رغبةً في استقطاب عدد أكبر من الزوار والسيّاح وتلامذة المدارس وطلاب الجامعات”.
لم أقرأ هذا الموضوع للمعلومات فيه وحسْب (ليس عالم الحيوانات من اهتماماتي ولا أقتنيتُ في بيتي قطةً أو كلباً ولا حتى طيراً أو سمكةً في أكواريوم) لكنني قرأْتُه لأرى الرقيّ الشاسع في بلاد تعذَّبَت حتى السحْق (خلال حربها الأهلية بين شمال وجنوب) لإقامة الديمقراطية وبسْطها والعمل بها شعباً وحكومة وحكماً، حتى تَخطَّت اليوم مُجرّد أن تعتني بالحيوانات (“هبة الطبيعة للإنسان” كما تسمِّيها) إلى أن تتنافس فيها مدنٌ على العناية لا بالإنسان (فهذا بديهيٌّ من زمان ولم يعُد مطروحاً) بل على العناية بالحيوان.
وتَحسَّسْتُ الفارق بين تلك البلاد وما في بلادنا من سحْقٍ للإنسان والحرية والمواطنية والتعبير والتفكير، ومن قمعٍ لكل حركة تسعى للخروج من حفرة العالم الثالث إلى حُمرة الشفق الواعد بصباح أفضل.
ولكن… كيف لشعوبنا العربية أن تخرج من تلك الحفرة حين معظمُ الحكَّام ظَلاميُّون أكثر من الحركات الظلامية (أو السلفيّة أو الأصوليّة) ويستخدمون شعوبهم قطعانَ أغنامٍ وأزلام وراء سياسيين أصنام لا يريدون للصباح أن يطلّ على شعوبنا لأنّ النهار يكشف ما لا يريد الحكام والحركيُّون الظلاميُّون أن يُخرجوه من ظلمة الليل.
ومن اليوم حتى تبلغ بلدانُنا العربية درجةَ العناية بالحيوانات، والتنافس على حمايتها وتَجميل (أو تَحسين أو تطوير) حدائقها، سوف تَمُرُّ قرونٌ ضوئيةٌ طويلة تتخبَّط فيها شعوبُنا سعياً إلى الخروج أوّلاً من… حدائق الحيوانات البشرية!