الكلمة الأَحَبّ
ما الكلمة؟ مُجرَّد حروف؟ مضمونٌ ذو مدلول؟ شكلٌ ذو جمال؟ رمزيةٌ ذاتُ دلالة؟
للكلمة موقعٌ في الذات هو غيرُهُ في السوى. ترتبط بقارئها أو قائلها ارتباطاً ذا علاقة خاصة بأسباب ذاتية تختلف بين شخص وآخر.
كلمةٌ معيّنة بالذات: ماذا تعني لك؟ بِمَ توحي إليك؟ لماذا استخدامها لديك أكثر من سواها؟ لماذا تتكرّر في كتاباتك؟
هذه السلسلة: “الكلمة الأَحَبّ”، أسئلةٌ نطرحها على المعنيّين بالكلمة كي نصل الى خلاصة تحليلية عن اللغة ومدلول اللغة و”لغات اللغة” انطلاقاً من الوحدة الأولى الأساسية التي هي الكلمة.
بعد أجوبة وليد غلمية وعبدالله نعمان وإملي نصرالله وأمين ألبرت الريحاني وجوزف أبي ضاهر وسلوى السنيورة بعاصيري وجوزف جبرا وزهيدة درويش جبور، هنا جواب الكاتبة والصحافية مي منسى.
هنري زغيب
email@henrizoghaib.com_________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
9) مي منسى: الكلمة
الأربعاء 4 آب 2010
أخذَتْني الكلمة في أسفارها البعيدة.
أذكر أن ولَعي بدأ أولاً بالحرف. أتذكّره على كل صفحة من كتاب طفولتي، ينزل عن عرشه وينضمُّ إلى أحرفٍ أخرى ليصير كلمة.
وجدتُ في هذه اللعبة المسلّية علاقاتٍ ودّيةً بين الأحرف، تتعانق فتغدو كلمة، جسرَ تَوَاصُل، لوناً، عطراً، مَذاقاً، مواعيدَ حُبّ، فراقاً.
منذ ذلك الحين أصبحَت كلمتي الأحبّ هي “الكلمة”.
كلمةٌ واحدةٌ أحياناً، متواضعةٌ، منحنيةٌ إجلالاً، تَرمُقُني بوحيٍ ربّاني، فيما كلمةٌ متورّمة، طنّانة، متباهية، تشمئزُّ لها نفسي التوّاقة إلى شفافية الحرف ومعجزة اقترانه بآخَر.
في هذا الكون الذي أنجبَ مع كل شهقةِ نفَسٍ كلمةً ورديفاً لها، مع كل عبارة من فعل وفاعل ومفعول به، صارت كلمة “كلمة” هي البئْر التي أنهل منها حبري.
“كلمة” هي الهدية السماوية المنقوعة في نخاعي. تصحبني إلى آفاق الدنيا. أبحث لها عن رفيق ومعارف.
الكلمة التي تُنجب موسيقىً ودُخاناً وقُبلةً وعناقاً.
يكفي أن أضع إصبعي على عنوان كتاب، على تلك الكلمة التي تقف عند بابه كحبة السمسم، ليشعّ في نفسي نورٌ يَدُلّني إلى محتواه.
الكلمة تحاكيني. تُطلق من أحرفها مَركباً شراعياً أسافر على رياحه إلى أماكن لم تُكْتَشَف بعد.
يُغريني السفر في رحابها والتعمُّق في أسرار الحرف.
الكلمة تُمْلي عليّ كيفية النكش في تربتها.
وأظلّ أنكش حتى يتعالى من العمق نغمٌ، صوتٌ، صراخٌ، أنينٌ، وداعٌ… ولقاء.
___________________________________________
*) الأربعاء المقبل- الحلقة العاشرة: هدى النعماني.