30 كانون الأول 2008 العدد 12782 السنة 37
لن ينتهي الحديث عن هذا الخَلَوي وتَجاوزات استخدامه، هو العفريت التي يقفز في الجيب، في الكف، على الطاولة، داعياً الى الرد (الإجابة) أو المخاطبة (المهاتفة) في أوقات، بعضُها حرج، وبعضها الآخر خارج سياق السلوك الإجتماعي.
مع ذلك لا يرعوي حاملوه من المبالغة في تَجاوزات استخدامه.
فهذا يتركه مفتوحاً في قاعات المحاضرات والندوات واللقاءات والاجتماعات، ويدعه يرنّ بصوته العالي أحياناً، مزعجاً كل من حوله (وخصوصاً يزعج الْمحاضر على المنبر)، وقد يغالي في وقاحته فيَفتح الخط ويُجيب.
وهذا يكون في مَجلس من حوار أو نقاش أو جلسة، ويرنُّ هاتفه الخَلَوي فينهض من مكانه (ويكون هو المتحدث الرئيسي في الجلسة أحياناً) ويبتعد عن الجمع ليروح في حديث طويل يُبقي الآخرين منتظرينه حتى “يعود” من حديثه الطويل.
وهذا، في المجلس نفسه أو الحوار نفسه أو الجلسة نفسها، يتلقّى مُخابرة خَلَوية فيجيب مُحدثه ويأخذ وقته في الحديث (ومعظمه مغالباً مُجاملات ولا ضرورة ملحّة له) فيما الآخرون ينظرون إليه، صامتين منتظرين، كي يُنهي حديثه “الشيّق”.
ويزعج هذا العفريت أكثر، بعد، حين يرنّ في اثناء اجتماع جدي أو رسمي أو هام، فيتناوله حامله ويُجيب، قاطعاً مسار الاجتماع والحديث ضارباً بإجابته كلَّ مَن حوله، مُعرقلاً الاجتماع فارضاً على الجميع معه أن ينتظروه كي ينهي حديثه.
وهذا الذي، في السيارة، يأخذ حرّيّته بالإجابة عن مُخابرة خَلَوية (غالباً غير ضرورية) فيضطرّ الباقون الى الصمت وانتظاره لينهي حواره. وقد يَحدث أن يكون في السيارة اثنان أو ثلاثة (أو أربعة أحياناً) يأتي لكلّ واحد منهم اتصال خَلَوي فيجيب كلُّ واحدٍ مُهاتفَه، ويكون حديثٌ في السيارة بين جميع مَن فيها في الوقت نفسه ويكون لغطٌ وتكون فوضى ويكون جَـوٌّ مضحك ساخر سوريالي يسبّبه هذا العفريت القاعد في الجيب أو في الكف أو في الحقيبة (حقيبة السيدات خصوصاً).
وقد يكون هذا العفريت مظهراً من مظاهر “اكتمال الشخصية” حين يدخل صاحبه الى جلسة أو اجتماع أو مقهى أو زيارة، وهو يَحمله في يد، ويَحمل علبة السجائر في الأُخرى، كأنّما بات من المظهر الاجتماعي أو الزي المجتمعي أن يكون الخَلَوي ظاهراً في يد حامله، جزءاً من قيافته وربطة عنقه وشكل ثيابه وربطة حذائه، فيضع على الطاولة علبة السجائر وجهازه الخَلَوي، وقد يكون آخرون معه في الجلسة نفسها أو الاجتماع نفسه أو حول الطاولة نفسها، فتصبح الطاولة موقفاً (Parking) لأجهزة الخَلَوي وعُلَب السجائر، في مشهد لا يدل كثيراً على جدية الاجتماع أو شأن المتحلقين حول الطاولة.
وإذا كانت هذه حال المتّصلين، فالحال ليست أفضل عند المتلقّين، حين يرنُّ الخَلَوي في ساعات متأخرة من الليل أو في أي وقت من النهار، وينطلق المتصل مباشرة في حديثه من دون أن يسأل من يتّصل به إن كان هذا يُمكنه الكلام أو إذا كان وقته أو ظرفه يتيح له الإجابة. وقد يغالي المتّصل أحياناً فـ”يعتب” على من يتّصل به إذا كان هذا الأخير أقفل خطه لسبب أو لآخر، فيُصرّ المتّصل أن يعرف لماذا أقفل ذاك خطه، أو يسأله: “أين أنت” و”ماذا تفعل”.
هذا الاختراقُ الوقح حرمات الآخرين ووقتهم وحميمياتهم واجتماعاتهم وجلساتهم واستراحاتهم في أوقات خاصة من النهار والليل، يلزمه تصحيح فوري للالتزام بأدبيات سلوك حول استخدام الخَلَوي لا تقلّ أهمية عن آداب سلوك المخاطبة والجلوس والحديث وما إليها من آداب مُجتمعية تُلزم من يقوم بها أو من يتلقّاها.
ولم أجد، في معظم المجتمعات العربية، كثيرين يلتزمون بهذه الآداب “الخَلَوية”.