25 تشرين الثاني 2008 العدد 12749 السنة 37
بعد مقالين (“السيف أمضى.. أم السخرية”؟ قبس من لبنان 82، و”فصول في حكمة السنوات” قبس من لبنان 83) عن أقوال أقطفُها أحياناً، بليغةً حكيمةً حاملةً تَجارب السنوات الناضجة، أختُم اليوم هذه الثلاثية (مع الشكر لقرائي الذين اتصلوا هاتفياً أو راسلوني إلكنرونياً مُثْنين على إيرادي تلك الأقوال) بأقوال تشير الى البراعة في سرعة البديهة عند سماع عبارة نافرة أو لافتة، والإجابة عنها فورياً في اللحظة نفسها، ساخرةً أو حكيمةً أو مُفْحمة.
منها حين قال كويتب مراهق للكبير جورج برنارد شو: “أشعر أنني أفضل منك شأْناً. أنت تكتب كي تنال المال. بينما أنا أكتب كي أنال الشرف”. فعاجلَه برناردشو على الفور: “معك حق. دائماً هكذا. كل إنسان يسعى الى نيل ما ينقصه”.
وفي سياق ردود برنادشو السريعة أيضاً، سأَله يوماً جاهل مغرور: “ألا ترى أن الطبّاخ ينفع شعبه أكثر مما ينفعه الشاعر أو الكاتب”؟ فـردّ برناردشو على الفور: “هكذا تعتقد الكلاب والزواحف: الطبخ ينفعها أكثر من الكتاب”.
وعن زوج لا يتمتع كثيراً بـ”السعادة الزوجية” أنه قال لزوجته المصون: “أنت أحبُّ مخلوقات الله إليّ”. فعاجلتْه زوجته: “وأنتَ أبغضُ مَخلوقات الله إليّ”. فختم الزوج المعذّب: “كم أشكر الله على أنه حَباني ما أُحب، وابتلاك بما تكرهين”.
وذات يوم التقى رجل سخيفٌ الشاعر الضرير بشّار بن بُرد، فقال له: “لا يصيب الله الإنسان بمصيبة إلاّ ويعوّض له عنها بفضيلة، فما الذي عوّض الله عليك بفقدانك البصر”؟ فأجابه بشار على الفور: “عوّض عليّ بفضيلة كبرى: ألاّ أرى وُجوه السخفاء أمثالك”.
وعلى ذكْر العمى، تزوّج رجل أعمى امرأةً بادرته بكل سخف ذات يوم، وفي ظنّها أنها تقهره في عماه: “آه لو تستطيع عيناك أن ترى جمالي”، فأجابَها زوجها الأعمى على الفور: “أإلى هذه الدرجة عَميَ عنك المبصرون فتتركوك لي”؟
وعلى ذكْر السخيفات من النساء، قالت يوماً ممثلة إنكليزية للأديب الفرنسي هنري جانسون: “ما أزعج باريسكم. لا أرى فيها أظافري نظيفة”. فأجابها فوراً: “الحق ليس على باريسنا يا مَدام. لكن يبدو أنك في باريس تحكّين جسمك كثيراً، على اعتبار أنْ… ما حـكّ جلدك مثلُ ظفرك”.
وفي سياق هذا النموذج نفسه من النساء السخيفات، كانت امرأةٌ تتباهى بجمالها أمام الكاتب الفرنسي صوفي آرنو، وتُعَدّد كثرة المعجبين بها، وتأفّفَها منهم وانزعاجَها من عدم إيجادها طريقة لإبعادهم عنها. فعاجلها أرنو: “ولو ! بسيطة. يكفي أن تفتحي فمك وتتكلّمي، فيكتشفونك ويهربون”.
وأختم في هذا السياق من السخف (والمعذرة من النساء الناضجات، وهنّ أكثرية الأكثرية) بأن كانت الراقصة المصرية فيفي عبده ذات يوم تَهُمّ بركوب سيارتها الفخمة (اشترتها طبعاً بـ”عرق جبينها”)، فرأت الأديب نجيب محفوظ ماشياً ببطء على الرصيف متأبّطاً بعض الصحف، فبادرته: “أترى كيف الأدب حرمك من النعمة”؟ فأجابها فوراً: “… بل أرى أية نعمة مَنَحتْك قلّة الأدب”.
وهكذا، يتّضح من الجواب السريع أنه نتيجة عقل متوقّد سريع الاستجابة عند الرجل. لكنه يصبح أجمل، أجمل بكثير، حين يصدر عن المرأة التي تكون حادَّة الذكاء، فيكون جوابُها مُفْحماً أمام رجل سخيف مراهق، ثقيل الدم والهيئة والكلام.