21 تشرين الثاني 2008 العدد 12714 السنة 37
هل يكفي أن تكون “كرمةُ ابن هانئ” دارةَ أحمد شوقي في مصر؟ وهل يكفي أن يكون متحف جبران في بشرّي (لبنان) مثواه ومقرّ أعماله الكتابية ولوحاته؟ وهل يكفي أن يكون متحف أمين الريحاني في الفريكة (لبنان) متعة لزيارة الرواد كي يتعرفوا الى أعمال الأمين العظيم؟ وهل يكفي أن يكون “بيت الشاعر” في زوق مكايل (لبنان) منْزل الشاعر الياس أبو شبكة؟ وهل يكفي أن يكون بيت فيكتور هوغو في فرنسا، وبيت غوته في ألمانيا، وبيت دانته في إيطاليا، متاحف للزيارة وحسب؟
طبعاً لا بدَّ منها، تلك البيوت التي تتحوَّل متاحف بعد غياب أصحابها، لأنها تبقى صداهم بعد غياب الصوت، وصورتهم بعد غياب الأصل، وبقاءهم الطويل بعد تفتّت التراب في أجسادهم.
غير أن بقاءهم، لكي يتعمّق أكثر فلا يبقى مُجرّد ظاهرة حيادية للزيارة العابرة، يَجب أن يتفعّل بتوسيع المقر الى أوسع من متحف جامد لمرور جامد في وقت جامد، فيتحوّل مركز أبْحاث ذا علاقة بصاحب المتحف، أو يصبح مركزاً ثقافياً تَجري فيه احتفالات ثقافية (معارض كتب، معارض تشكيلية،…) وأنشطة فكرية (ندوات، مناقشات، وُرَش عمل، …) وتظاهرات تراثية وأمسيات موسيقية أو مسرحية أو فنية راقية، فيُمسي اسم صاحب المتحف في التداول أكثر من مُجرد ذكر عابر عند زيارة المتحف، وينتشر اسمه أوسع كلما عمدت وسائل الإعلام الى تغطية حدث يَجري فيه.
هذا الأمر، حين لا يكون في عهدة الدولة (كما “كرمة ابن هانئ” على كورنيش النيل في الجيزة، وكان الرئيس المصري أنور السادات أصدر قراراً في 3/5/1972 بنَزع الملكية الخاصة عنها فتسلّمتها الدولة في 12/4/1973 وتَحوّلت متحفاً دشّنه الرئيس نفسه في17/6/1977) نادراً ما يتيسّر حصوله في القطاع الخاص إلاّ بمبادرات فردية تعمد الى استقطاب رُعاة مساهمين وداعمين من المجتمع المدني أو الأهلي، متموّلين يُحبون الثقافة بتشجيع الازدهار الثقافي فيسهمون بمبالغ قد تكون (أحياناً) كافية لإنشاء مركز ثقافي يكون عندها في بيت شاعر أو فنان (كما تجربة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة في البحرين وهي ساهمت شخصياً واستقطبت داعمين موّلوا إنشاءَها مركزاً ثقافياً على اسم الشيخ ابرهيم بن محمد آل خليفة، و”بيت الشعر” في منْزل الشاعر البحريني الراحل ابرهيم العُريّض، و”مركز تراث البحرين الصحافي” في بيت الصحافي البحريني الراحل عبدالله الزايد، و”مركز التراث الموسيقي البحريني” في بيت الفنان البحريني الراحل محمد بن فارس)، وهو أمر جلل ونبيل للمحافظة على اسم المبدع في بلاده، لا بمجرد تحويل بيته متحفاً يدخله عدد (محدود غالباً) من الزوار الوافدين خصيصاً إليه، بل يدخله روّاد الأنشطة الثقافية والفكرية والفنية (وهم كثيرون بين مَحلّيين وأجانب) كي يَغْنَمَ المبدع (في غيابه) مرتين: أولى بترداد اسمه في الدعوات والإعلام والصحافة عند كل نشاط، والأُخرى باستقطاب الرواد لا الى غرفة باردة أو صالة حيادية بل الى متحف هذا المبدع أو بيته، فيطّلعون على آثاره وهو ما قد لا يتوفّر لهم لولا ارتيادهم تلك الأنشطة في حرم البيت أو المتحف.
وزارات الثقافة (وأتوجّه هنا تحديداً الى التي في العالم العربي لأنّ تعيينات وزرائها، في معظمها، “تنفيعات” سياسية لأصحاب الرأي أو السلطة أو الحكم أو الشأن أو مافيات السياسة) عليها أن تقوم بهذا العمل رئيسياً كي تحفظ الإرث الثقافي في بلادها. وإذا كان القطاع الخاص عادةً هو الذي يتحرك صوب هذا النوع من حفظ الإرث أو التراث، فلتكمل الدولة مسيرة القطاع الخاص (قبل أن ينكفئ فينكفئ معه المشروع) وإلا تكون وزارة الثقافة (على عكس قريناتها في الغرب) وزارةً جوفاء ليس فيها إلا وزيرٌ على كرسي يبقى فارغاً ولو جلس عليه الوزير.