الخميس 2 تشرين الأول 2008 السنة 37
وسط تشُّنجات سياسية وطائفية ومذهبية يتصارع على حلبتها سياسيون لبنانيون، دعانا “لقاء الاثنين” (مؤسسُه نُهاد الشمالي في بلدة سهيلة،كسروان) الى مأدبة إفطار رمضانية في “بيت عنيا” (حرم كنيسة “سيدة لبنان” في بلدة حريصا المارونية).
وإذ يبدو لافتاً (وكم سعيداً !!) أن نُدعى الى إفطار رمضاني في حنايا كنيسة “سيِّدة لبنان” المارونية، على أمتار من الصرح البطريركي الماروني في بكركي، بدا رائعاً أن يَجتمع في قاعة واحدة، الى طاولات الإفطار الرمضاني، أقطابُ الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية واللجنة الشبابية للحوار الإسلامي المسيحي والحركة الثقافية (أنطلياس) مع زملائهم أقطاب جمعية المقاصد الإسلامية وصندوق الزكاة (دار الإفتاء) ومدارس العرفان ومدارس المهدي ومؤسسة “أمل” التربوية والمدرسة الوطنية التنوخية والمركز الإسلامي (عائشة بكار) ومجلس جبيل الثقافي ونادي عاليه وملتقى الحوار الثقافي، في جـوّ تَقَويّ من القرآن الكريم والإنجيل المقدَّس، وفي أجواء الاحتفالات باليوبيل المئوي الأول (1908-2008) لتشييد “مزار سيّدة لبنان” وارتفاع تمثالها العالي (فاتحةً يديها لتضمّ كلَّ لبنان المقيم والمنتشر) برعاية البطريرك الماروني يومها الياس الحويك (سيّد “لبنان الكبير”).
هذه البادرة من “لقاء الاثنين” (و”الاثنين” هنا لا علاقة له بيوم الاثنين، بل هو رمز التقاء شخصَين من كل لبنان) بدأَت منذ سبع سنوات حين أخذ الـ”لقاء” يجمع تلامذة معهد عينطورة المسيحي وتلامذة المقاصد الإسلامية في إفطار رمضانيّ سنويّ كان فرصة لهم فتعارفوا وتصادقوا بما امتدَّ معرفةً بين أهاليهم كذلك، فكانت نواةَ لقاء لبنان بلبنان من كلّ لبنان في كلّ لبنان.
وتوسَّع التبادل الطلابي واللقاء بين مدارس لبنان الى لقاء أقطاب وأعلام من طوائف لبنان في كل لبنان، حتى جاء الإفطار هذا العام في رمضان الكريم، شهر المحبة والسماح، ترجمه هؤلاء الأقطاب عند كنيسة السيدة العذراء في حريصا مَحبة وسَماحاً عبر إفطار رمضاني بين يدَي مريم التي لها في سُوَر القرآن الكريم وآياته ما لَها في الإنجيل المقدّس من تكريم وإجلال.
أَبعد من التشدُّق المعلوك بأن “لبنان لا يعيش إلاّ بجناحيه المسيحي والإسلامي”، وأبعد من تكرار القول الصدئ بـ”التعايش والعيش المشترك”، تبقى ترجمة القولَين فعلياً لا تنظيرياً (كما فَعَلَ “لقاء الاثنين”) أبلغ بكثير من الحكي الاستهلاكي الذي يركب موجتَه سياسيون لبنانيون بينما هم في الشارع يعملون عكسه سراً.
أبداً: مش صحيح أنّ في لبنان “عيشاً مشتركاً” (أنحن قبائل تعيش مؤقتاً مع بعضها البعض؟)، ولا أنّ في لبنان “تعايشاً” (هل من إرغام للعيش مع بعضنا البعض تعايشاً اصطناعياً؟). الصحيح أن في لبنان عيشاً واحداً لعائلة واحدة متعدّدة الأطراف والمذاهب والميول والالتزامات، غير أن لها جذعاً واحداً. وما أغنى الشجرة المتعدّدة الفروع والأغصان، مهما علَت واستطالت ونأَت فروعها والأغصان، وما أتعس الشجرة الضئيلة الفروع والأغصان لأن وقوفَها هشٌّ ومهدَّد بالانكسار عند أول عاصفة.
وهكذا لبنان: سنديانة علَت أغصانُها من جذور مُختلفة لكنها توحَّدت في جذْع واحد تفرّعت منه فروع وأغصان ذاتُ عائلات روحية ودنيوية تدين بوفائها لجذورها وبالولاء لجذعها الوحيد: لبنان.
طوباويٌّ هذا الكلام؟ أبداً. ليس غريباً إلاّ فقط على مسيَّسين وسياسيين. نحن، الشعب اللبناني الواحد الموحَّد، نَجده طبيعياً جداً وضرورياً جداً ونرفض مقولة “التعايش والعيش المشترك”، ونلتزم بـ”عيش واحد موحَّد وحيد في ظلّ أرزة جامعة”.
أيها السياسيون اللبنانيون: تشبَّهوا بـ”لقاء الاثنين”، وأريحونا من مباطحاتكم ومبارزاتكم. إن الشعب الذي أطاح يوماً بوابة الباستيل، لَم يعد بعيداً عن أبواب بيوتكم العامرة.