9 أيلول 2008 العدد 12674 السنة 37
حتى صدور الدراسة (الأُولى من نوعها في الشرق الأوسط) عن “المساهمة الاقتصادية التي تُسْديها الصناعاتُ القائمة على حقوق المؤلف” (أعَدّتْها المنظّمة العالمية للملكية الفكرية “ويبو”، وعرضتْها الأُسبوع الماضي على منبر قصر الأونسكو في بيروت) كان سائداً أن قطاع الفكر ليس منتجاً، وأكثر: هو “عالّة لصاحبه على المجتمع المحيط”.
ويتّضح من هذه الدراسة أن للصناعات الإبداعية حقائقَ وأرقاماً تُثبت فاعليتها الاقتصادية ومردودها الاقتصادي وجدواها الاقتصادية، حين تتسنّى لها أَساليب الدعم والتطوير. وهو ما يحصل في العالم من منتجات إبداعية تعود بالمردود الكبير على اقتصاد بلدانها بشكل ملموس. ومن النماذج الموثَّقة في الدراسة أنّ عائدات حقوق النشر الأميركية لسنة 2007 فاقت 950 مليار دولار، ورفدَت الاقتصاد الأميركي بنسبةٍ أعلى من مساهمة صادرات السيارات والطائرات وصناعات أخرى.
وإذا كان سائداً أنّ الإبداع في أيّ بلد هو واجهةُ هذا البلد وصورتُه في العالم وجسره المتين المكين الى البقاء (بأعلامه المبدعين وأعماله المبدعة) على خارطة الإبداع العالمي، فالذي طفا اليوم على وجه المعلومات أنّ الصناعات الإبداعية لم تَعُد ترفاً مكْلفاً ولا عالّة ثقيلة، بل على العكس: باتت مصدرَ ثروة كبيراً، حتى أنّ مصادر الاقتصاد المتقدمة اليوم في العالم المتقدّم، تتحوّل تدريجاً (بعد هذه الوقائع أعلاه) من الانغماس في العمل مع الشركات الكبرى (وكانت مغْرية الانغماس فيها بفضل مردودها الاقتصادي العالي)، الى مشاريع متوسطة، وحتى صغيرة (أكيدة الربح سريعته)، وتحولت دوائر الموارد البشرية من الاهتمام بالمديرين الإداريين وتأهيلهم وتدريبهم، الى الاهتمام بالفنانين والمؤلفين والمبدعين والمسؤولين (إنتاجاً أو إدارةً) عن صناعات إبداعية تُحصّنُها الملكية الفكرية المؤدية الى أرقام أكيدة في مؤشّر التنمية الاقتصادية.
ومن أرقام نشرتها الدراسة أعلاه، والمركّزة على لبنان وحده، أنّ المساهمة الاقتصادية التي أَسْدتها في الناتج المحلي اللبناني تلك الصناعاتُ القائمة في لبنان على حقوق المؤلف بلغَت نحو مليار وأربعين مليون دولار، ما يشكّل في لبنان نسبة 4,75% من الناتج المحلي الإجمالي، و4،5% من فرص العمل (تشغيل نحو 50 ألف عامل).
من هنا (وانطلاقاً من تكريس الملكية الفكرية بشكلها العلْمي الأمين والدقيق عائدات وأرباحاً) دورُ وزارات الثقافة في دعم المؤسسات الثقافية والتربوية ومؤسسات البحث في القطاعين العام والخاص.
هذه الدراسة (ولتتعمَّم من لبنان على دول في المنطقة لديها نتاج إبداعي مثمر ومُربح) هي معيارُ معرفة نُمُوّ القطاعات الإبداعية الرئيسة (الصحافة، الأدب، السينما، الموسيقى، الفنون المرئية والتشكيلية والفوتوغرافية، الإذاعة والتلفزيون، البرمَجيات، الدعاية والإعلان)، ما يتيح لواضعي السياسات الثقافية تخطيطاً فعّالاً وعلمياً لدعم هذه القطاعات الإبداعية.
مرةً أُخرى: الدول التي تركّز اهتمامها ما سوى على الاقتصاد الآخر (صناعة، تجارة، زراعة،…) ستبقى قاصرةً عن اللحاق باقتصاد للمعرفة تتيحه الحياة العصرية اليوم في مجتمع العولمة الحديث الذي هو مُجتمع فاعل ناشط مربح، وخصوصاً في الدول التي يَصدر نتاجها الإبداعي في أكثر من لغة واحدة.
المجد للإبداع والمبدعين.
إنهم منارة بلدانهم ومنائر العالم على خارطة التاريخ.