الخميس 24 تموز 2008 العدد 12627 السنة 37
حين جلستُ الى الصديق محمد خالد القطمة (مدير عام “دار سعاد الصباح للنشر”) وأسدى إلَيَّ الأسطوانة البصرية (DVD) للشاعرة الكويتية الكبيرة الدكتورة سعاد الصُّباح “بيروت كانت وردةً وأصبحت قضيَّة”، خلتُني سأُمضي جلستي معه نتحدّث عن شاعرة الكويت الكبيرة، قصيدتها الرائعة عن لبنان، تاريخها النبيل مع لبنان وفي لبنان، كتاباتها المتتالية عن لبنانها الكويتي الهوى، هي التي تقول في قصيدتها الجديدة: “بيروتُ يا قصيدةَ القصائد، يا وردةَ البحر ويا جزيرةَ الأحلام”، وتَشهَر في القصيدة حبّها لبيروت وللبنان، في إحدى أجمل ما صدر من قصائد عنهما.
وحين بعدها شاهدتُ القصيدة البصرية بإلقاء شاعرتها، وشاعريّتها البلّورية، والمناظر اللبنانية المرافقة القصيدة، والموسيقى الرحبانية المرافقة المناظر، وجدتُني أمام عمل كويتي راق رائق راتع رائع شعراً ومضموناً وشكلاً وإخراجاً، يُجسّد من شاعرته الكويتية الرائعة وفاءها لوطن الأرز ولؤلؤته الخالدة بيروت.
غير أن جلستي مع الصديق خالد، في مقهى “سيتي كافيه” البيروتي (جامع شلّة المبدعين في لبنان والعالم العربي) توسّعَت من قصيدة الشاعرة سعاد الصُّباح الى سائر “صُباحات” كويتية نبيلة مُماثلة، والى تعقيبات خالد القطمة نفسه عن تَجربته في لبنان، هو الذي يتعالج اليوم في مستشفى لبناني لا مثيل لأجهزته الطبية في المنطقة، وهو الذي رفض أولاده الثلاثة (ابنه وابنتاه) الذهاب هذا الصيف الى أوروبا مفضّلين عليها صيف لبنان في بحمدون، وهو الذي في أَيام لبنان الصعبة كان يتحرّق في الكويت شوقاً الى لبنان، حتى إذا سمع فيروز تصدح “نسَّم علينا الهوا” بكى تأَثُّراً نوستالجياً، وحين تصرخ فيروز “خدني على بلادي” يسمعها “خدني على لبنان” ويشعر كأنه هو المعنيُّ فيَندفع بقلبه للذهاب الى لبنان. ويُردف لي: “في لبنان عرفتُ معنى الحب والحياة، وتعلّمتُ كيف يكون النضال، ووعيتُ معنى أن تكون للإنسان قضية”. وحين يأتي خالد الى لبنان يصارح أصدقاءه اللبنانيين: “لو ان في قلوب بعض اللبنانيين حبٌّ للبنان بقدرما في قلوب معظم الكويتيين، لكان مسار الأحداث في لبنان تغيَّر كثيراً”.
وما باح به صديقي محمد خالد القطمة، سمعتُ له مثيلاً كثيراً من كويتيين في لبنان وفي الكويت، أعرف بعضهم ولا أعرف البعض الآخر، يوحّد بين هؤلاء وأولئك قاموسٌ واحد في حُب لبنان: أقلُّه لبنان الطبيعة والمناخ والتنوُّع، وأكثرُهُ لبنان الإنسان اللبناني المرحاب، الفاتح قلبه قبل بيته، المضياف فطرةً قبله لساناً، لبنان الحلم الجميل الذي تَجَسَّد، بأجمل من الحلم، في وطن جميل.
وتتوالى تكراراً هذه الانطباعات الكويتية النبيلة أمامي، كأنّ لبنان شرفة الكويتيين، كأن لبنان جبل الكويتيين، كأن لبنان مرنَى الكويتيين الأجمل، حين الرُّنُوُّ يفيض من وفائهم للبنان معادلاً ولاءهم للكويت.
هذه الظاهرة الكويتُو- لبنانية علامة ضوء أخرى الى لبنان الضوء، لبنان الكنْز الذي يستهين به بعض أبنائه وبعض الفاسدين من سياسييه، لكنّ هؤلاء وأولئك عابرون زبديون زائلون مع ذوبان الثلج، ووحده باقٍ ربيعُ لبنان الذي يبقى ربيعاً مدى الفصول الأربعة، لأن ربيع لبنان ليس فصلاً في السنة، بل هو فصل يومي من حياة الإنسان الحقيقي في لبنان، وفي حياة الذين، كالأصدقاء الكويتيين النبلاء، يعرفون كيف ولماذا يُحبّون هذا اللبنان الأُعجوبيّ.