حين الجامعة تُكَرِّم أدباءها
السبت 3 نيسان 2010
– 641 –
نبيلةً ووفيّةً كانت بادرةُ الجامعة الأميركية في بيروت، عبر اللجنة العالَمية لِخِرّيجيها، بتكريم كوكبةٍ من الخرّيجين الأدباء والمفكّرين والكتّاب، في احتفال رسمي لائق، سَمَّته “فاتحة الاحتفالات الأدبية للخرّيجين”، وقاله رئيس الجامعة پـيتر دورمان “لفتة احترام من الجامعة للّذين حملوا مشعل الفكر والأدب ولا تزال مؤلفاتُهم تُزهِر فكراً وأدباً في أبناء هذا الجيل”، وزاد في الكتيّب التذكاري: “يشرّفنا أن نستقبل اليوم هذه الباقة من المؤلفين الكبار، ويغبطنا أن تكون جامعتنا خرّجت هذا النسيج العالي من أهل الكلمة الذين قد تكون الشرارة الأُولى من مواهبهم الكتابية اندلعت هنا على مقعد من مقاعد الحرم الجامعي”.
وعدا كونها بادرة عريقة تأتي من جامعة عريقة خَرَج مِن مقاعدها مَن تألّقوا كباراً في لبنان والعالم العربي، تُسجّل هذه الظاهرة تكريساً للأدب والأُدباء، في عصر تكاد التكنولوجيا خلاله والعلوم التطبيقية والاختبارية تطغى بوهجها على كل ما عداها، سنداً الى حقبة نعيشها باتت فيها التكنولوجيا نجمة العصر، يستقطب مِحورُها اهتمام الجيل الجديد.
وكان لافتاً في المعرض الذي أعقب الاحتفال في الجامعة (قاعة “وست هول” الشهيرة التي شهدت عبر العقود الماضية أكبر الاحتفالات الأدبية والفكرية والأكاديمية) أنّ بين الكتب المعروضة إصداراتٍ جديدةً لجيل واعدٍ من مؤلِّفين في العقدين الثاني والثالث، ما يشير الى أن الأدب ما زال في عافية مطّردة، والأدباء الشباب ما زالوا في زخم عطائهم، والكِتاب النَّضِر ما زال (تأليفاً وإصداراً وقراءةً) مِحور استقطاب في هذه الحقبة التي تستأثر طَوالَها الشاشة (كومپيوتر وإنترنت) باهتمام معظم المتلقّين.
ولكان يُمكن المرور بهذا الاحتفال عابراً كسواه من احتفالات تقيمها الجامعات، لولا أنه خصّص المؤلّفين ومؤلّفاتهم بالتكريم احتفاءً بثمار فكرٍ إنساني لعلّه الأبرز (والأبقى) في مسيرة الأوطان حين تتذكّر كبارَها الأوطان.
صحيح أنّ للعلوم الإنسانية في الجامعات حيِّزاً واسعاً ينتمي إليه عددٌ كبير من الطلاب، آداباً ولغاتٍ وفلسفةً وفنوناً مختلفة، لكنّ هذا الحيّز يبقى، في الغالب، عرضةً لتهميشٍ (ولو غير مقصود) من مُجتمع عريض لا يرى فيه سوى فوائد ثانوية قد لا تكون في خدمة العصر “كما العلوم وفروعها”.
وهذا تفكير غير صحيح، لأن الفكر الإنساني متواصل في التاريخ، لم ينقطع له شرر ولا أثر، على رغم ما شهدته العصور الخوالي من ثورات علمية متعاقبة غيَّرت في هوية العصور التي ظهرت خلالها، وطوّرت في مسيرة الإنسان الحياتية والمصيرية.
ويبقى المجد للكتاب مَجداً ساطعاً لهذا العصر ولِجميع العصور، خَوَاليها وأَوَاتيها، وتبقى العاصمة العالمية للكتاب تستقطب الإصدارات الجديدة للفكر الإنساني (أدباً وفلسفةً وعلوماً إنسانية) في أية مدينة أو عاصمة من العالم. وأثبتَت بيروت، طوال سَنَتِها عاصمةً عالمية للكتاب، أنها لا تزال (وستبقى) نجمة هذا العالم العربي في دنيا الكِتاب والكُتّاب، والتأليف والمؤلفين، والإصدارات والأنشطة المتعلِّقة بالكتاب، وأثبتَ لبنان أنه طليعة الأدب والفكر والتأليف، شعراً ونثراً وكل قطاع، وأنّ الكلمة فيه، بنت الأدب والفكر، لا تزال الأنضر في اختراق العصر العلمي والتكنولوجي الى العقل الأدبي والذوقيّ والجمالي، وأنّ الأدباء اللبنانيين، في العربية كتبوا وأصدروا، أو في أية لغة أخرى، هم شعلتُنا التي بها نهتدي ونلهف صوبها الى ذواتنا الدائمة الحضور، أياً تكن حاجتُنا الى تكنولوجيا العصر التي ليست سوى خادمة لثالوث الكلمة والفكر والأدب وليست أبداً تَحَوُّلاً عن هذا الثالوث الى عصر آخَر.
هذا التكريم، وسط كرنڤالات التكريم الشائعة اليوم (أيٌّ كان يكرّم أياً كان، من دون معايير مكرَّسة) يأتي من مؤسسة أكاديمية كبرى ليكرّس كباراً في وطنهم، عنوانُهم الكِتاب، هويتُهم الكلمة، وخلودُهم في مستقبل نقَشُوه على ضمير بلادهم التي تعترف بالأدب قيمة حضارية رئيسة في عصرٍ مهما طوّرته التكنولوجيا (الضرورية اللازمة الواجبة لكل مواطن) يظلُّ الفكر الإنساني فيها هو السيّد، وتظلُّ التكنولوجيا صاغرةً في خدمته. هنري زغيب email@henrizoghaib.com