1 تموز 2008 العدد 12604 السنة 37
من مقال صدَر هذا الأسبوع (بالإنكليزية) كتبه المحلل الاختصاصي هايزل هاير لموقع “توربو نيوز” الإلكتروني، أنّ المملكة العربية السعودية تعتبر السياحة “ثروتَها النفطية الثانية بعد البترول”. ولذا تعمل على تفعيل الصناعة السياحية في المملكة، كما صرّح الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود (رئيس الهيئة السعودية العامة للسياحة والآثار) معتبراً السياحة “ثاني ثروة تقدمها المملكة الى العالم”، ولذا تعمل الهيئة على تشكيل إدارة تُخطط للصناعة السياحية وتطويرها وإعلانها ونشرها، معتبراً أن الوقت، بعد تركيز الثروة النفطية، حان لتركيز الثروة السياحية في المملكة، على برنامج ذي خطة خمسية (2008-2013) تلحظ الحفاظ على المواقع الأثرية التراثية التاريخية، جذباً للزوار والسياح من كل العالم، لإبراز هذه الصورة الثقافية من المملكة.
مبروكٌ للملكة، صديقة لبنان، تقديرها هذه الثروةَ التاليةَ ثروةَ النفط.
وقبل أيام كنتُ الى عشاء مع أصدقاء كويتيين لم يتوقفوا طوال السهرة عن إظهار نبلهم في الشغف بلبنان وإصرارهم على المجيء لتمضية الصيف في لبنان، أياً تكن ظروفه السياسية، متسائلين بكل استغراب عن سبب كل ما يَجري ويهدّد لبنان في صيغته وكيانه ومصيره وأمنه وأمانه، ولبنان (في قولتهم) ثروةٌ يَخشون أن تضيع، وكنْز يَخشون أن يندثر، وتُحفة يَخشون أن تتفتّت، بسبب التجاذب السياسي. ثم رسم أحدهم على الطاولة أمامنا مستطيلاً افترضَه خارطة لبنان، ورسم فيه خطوط طول وخطوط عرض، فقطّعه مربعات صغيرةً وقال: “هذا هو لبنان. كل مربع صغير من هذه المربعات مختلف عن جاره المربع المحاذي، مختلف تماماً ببشره وحجره وطبيعته. وراء كل منعطف من طرقات لبنان مشهد مختلف، وراء كل تلة من لبنان تلة أُخرى مغايرة، خلف كل وادٍ من لبنان وادٍ آخر متمايز بخضْرته وطبيعته ومنعطفاته ومنعرجاته وتضاريسه. أمام كل إنسان في لبنان من هذه المنطقة، نَجدُنا أمام إنسانٍ غير الذي التقيناه في منطقة أخرى، وغير الذي سنلتقيه في منطقة تالية. حرام هذا اللبنان الرائع أن يصيبه اليوم ما يصيبه. هذا اللبنان الضئيل المساحة، الكثير الثروات السياحية من كل نوع، مهيَّأٌ أن تعادل سياحته مواردنا النفطية في بلداننا الخليجية”.
نعم… هاتان إضاءتان على السياحة وأهميتها: أولى من المملكة العربية السعودية، وأخرى من الكويت، وكلتا الدولتين شقيقة للبنان وصديقة، ومن كلتا الدولتين يزور لبنان سياح كويتيون وسعوديون لهم بيوت هنا أو قصور أو يشغلون غرفاً أو شققاً في فنادق العاصمة والجبال.
إنها السياحة في لبنان، ثروة لبنان الرائعة، فهل يعي أهميتَها مَن يَتَنَاتَشون الحكم اليوم في لبنان؟
هل يعون أيَّ ثروة يفسدون على لبنان، وأيَّ سياحٍ يُنَفِّرون من لبنان؟
إذا كانت المملكة العربية السعودية تعتبر السياحة ثاني ثروة فيها بعد النفط وتعمل على تفعيلها ووضع خطط خمسية لها، وإذا كانت الكويت (من خلال لقائي أصدقاء في الكويت أو كويتيين في لبنان) تعتبر لبنان جوهرة سياحية تكاد تضيع في الوحل تَحت أقدام السياسيين، فما قولنا نحن في لبنان، والسياحة عندنا “سياحات” طبيعية وآثارية وتاريخية ودينية وبيئية وصحية وطبية واستشفائية وثقافية وجمالية ولا ينتهي تعداد ثرواتها؟
هؤلاء الذين يدمّرون لبنان إذ يَتَنَاتَشُون فسيفساءه السياسية لا يستاهلون حتى بضعة أشبار مربّعة من قبر لهم في تراب لبنان.