هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

62- السياسيون اللبنانيون والوزارات “السيادية”

17 حزيران 2008 العدد 12590 السنة 37

في حَمأة التشكيلة الحكومية التي لم تبصر النور بعد منذ ثلاثة أسابيع، ويتجاذب عليها الأطراف السياسيون اللبنانيون شدّ الحبال الشخصية الشخصانية، ووضع العراقيل من هنا والشروط من هناك والعقد المستعصية من هنالك (وكل واحد منهم، أطال الله بأعمارهم وأعمار عائلاتهم وأزلامهم ومَحاسيبهم، يدّعي العمل من أجل مصلحة لبنان ويتّهم الفريق الآخر بالعرقلة)، لم تعُد تَهمُّنا تصاريحهم ولا أفكارهم ولا عرقلاتهم، بقدر ما تلفت المواطنين اللبنانين (واستطراداً: المراقبين العرب والدوليين) نغمة وزارات “سيادية” ووزارات “خدماتية” يتهافتون عليها بكل شراسة ووقاحة وصفاقة، معتبرين كل ما عداها وزارات “ثانوية” أو “متواضعة”.
وإذا سلّمنا بأن “السيادية” هي الخارجية والمالية والدفاع والداخلية (لا أدري من أيّ قاموس غريب، اشتقوا هذا التصنيف الغريب)، تبقى “الخدماتية” هي حقائب الأشغال والعمل والكهرباء والهاتف والصحة والشؤون الاجتماعية والمهجّرين، وتصبح الوزارات “الثانوية” و”المتواضعة” هي التربية والثقافة والبيئة والسياحة.
واحد منهم قال قبل أيام: “يُماطلون في التشكيلة، ونأمل ألاّ يُلصقوا بنا في النهاية وزارة البيئة”. وواحد ثانٍ قال: “نحن نرضى بوزارة متواضعة”، وواحد ثالث قال: “لا نقبل بالسياحة، فنحن عندنا قاعدة شعبية واسعة، ونستحقّ وزارة أهمّ”.
ما هذه التصنيفات؟ وما هذا العصر السياسي العاهر في لبنان؟ أليست كل وزارة “سيادية” في خدمة الوطن، و”خدماتية” في تسهيل شؤون المواطنين؟ شو يعني أن تكون الوزارة “متواضعة” أو “ثانوية”؟ شو يعني أن تكون في الحقائب الوزارية درجة أولى ودرجة ثانوية ودرجة متواضعة؟ أإلى هذا الحد يتناتش السياسيون اللبنانيون الحقائب الوزارية من أجل “مصلحة لبنان”؟
ألم يفهموا، بعد، بأن الشعب كلّه فاهم بأنهم يتكلمون اليوم لكنهم يفكرون بمعاركهم الانتخابية بعد عشرة أشهر، وبالتالي تقضي مصلحتهم (الشخصية الشخصانية التشخيصية لا مصلحة الوطن أبداً) بأن تكون لهم وزارة يُرضُون فيها أزلامهم ومَحاسيبهم وقطعانَهم الببغاوية كي يكسبوا أصواتهم في الانتخابات؟ ألم يعرفوا بأن الشعب عارف تماماً أنهم جميعاً مصلحجيون يعملون لحساباتهم الخاصة و”بوانتاجاتهم” الانتخابية، و”على حذائهم” كل جهد في التسوية والتضحية والتنازل عن العناد من أجل مصلحة لبنان المتجمد في صقيع الانتظار والموقوف في زنزانة التناتش السياسي؟
هكذا إذاً؟ التربية والسياحة والثقافة والبيئة وزارات متواضعة وثانوية؟ أيرضى فرنسي أو ألماني أو سويسري بهذا المنطق؟ أنتجاسر ونُخبر العالم المتمدن بأن سياسيينا يعتبرون البيئة هامشية، والتربية ثانوية، والسياحة غير مهمة، والثقافة ترفاً من الكماليات؟
كيف الخروج من هذا الوضع المهترئ؟ وحده المنقذ – وحده وحده وحده -: مواطن واعٍ مثقَّفٌ غيرُ منقادٍ ببّغاوياً ولا قطعانياً، حُـرُّ القرار (وليس عنقه مربوطاً بزعيم سياسي)، مطلق الخيار (وليس رأيه خاضعاً لريموت كونترول سيّده السياسي)، يأتي يوم الانتخاب مُمتشقاً ورقة مغفلة في يده، يدخل الغرفة السرية، فيقطع عنق السياسيين التقليديين باختياره سواهم، ويطيح طقماً سياسياً أثبت معظمُه اهتراءه وفساده، فيريح لبنان في تاريخه الحديث من تاريخ سياسي ملأه بالوحل والكذب والفساد سياسيون ربضوا على صدر لبنان عقوداً دهرية طويلة، ولم يقوموا إلاّ مطرودين من صدور الشعب.
ومن اليوم حتى يوم الانتخاب (بعد عشرة أشهر)، سيزداد شحن الغضب في قلوب الذين سيكون لهم في لبنان أن يفتحوا لتاريخ العالم الحديث بوابة “باستيل” جديد.