3 حزيران 2008 العدد 12576 السنة 37
من أطرف (وأبلغ) ما جاءني مؤخراً بالبريد الإلكتروني: رسالة عن الأخلاقيات في النظرة الى العظماء والحكام. فليس ضرورياً أن يكون الحاكم وريث الحكم عن سلالته ليكون حاكماً صالحاً، وليس ضرورياً أن يكون العبقري طاهراً حتى القداسة كي يكون مبدعاً أو صالحاً. وهذه طبعاً ليست قاعدة عامة، فالصلاح والاستقامة شرطان بديهيان لكل حاكم ولكل عبقري.
في تلك الرسالة مسألتان أخلاقيتان من سؤالين.
الأول عن امرأة لديها ثمانية أولاد، ثلاثة منهم مصابون بالصمَم، اثنان مصابان بالعمى، وواحد متخلّف عقلياً، وهي مصابة بالسفلس. ثم حملت للمرة التاسعة. والسؤال: هل تبقى حامل، أم تعمد الى إجهاض الجنين الجديد؟
السؤال الآخر: إذا أصبح العالم دولة واحدة يحكمها رئيس عالمي واحد، أيُّ رئيس هو الأصلح بين ثلاثة مرشحين:
الأول ترتبط سيرته بسياسيين فاسدين، يؤمن بالأبراج والتعاويذ، ويصغي باقتناع الى الفلكيين، له عشيقتان سِرّيّتان، مدمن مزمن على التدخين الكثيف، ويُمضي معظم لياليه ثَملاً.
الثاني أُقيل مرتين من منصبه السياسي، كسولٌ ينام حتى منتصف النهار، مدمن على شرب الخمر، مضبوط أكثر من مرة خلال دراسته في الجامعة يتعاطى المخدّرات.
الثالث بطل وطني يحمل أوسمة عديدة، نباتي في طعامه، لا يأكل اللحوم على أنواعها، يشرب البيرة من وقت الى آخر بكميات قليلة، ولم تنكشف له أية علاقات نسائية مشبوهة.
وتَمضي الرسالة طالبة إجابة افتراضية عن كلٍّ من السؤالين.
السؤال الأول: إذا كانت الإجابة أن تَستمرّ المرأة في حَمْلها، فلا حاجة الى تعليق. أما إذا كانت الإجابة أن تعمد المرأة الى الإجهاض، فتكون الإجابة أصدرت الأمر بقتْل بيتهوفن جنيناً في بطن أمه.
وعن السؤال الآخر: إذا كانت الإجابة ترتكز فقط على السيرة “الحسنة والمستقيمة” (المرشح الثالث)، يكون حاكم العالم هو أدولف هتلر، وإذا كانت الإجابة اختيار أحد المرشحَين الآخرَين “الخليعَين”، يكون حاكم العالم أحد اثنين: فرنكلين روزفلت (المرشح الأول) أو ونستون تشرشل (المرشح الثاني).
هكذا يتبيّن أن لودفيك فان بيتهوفن (1770-1827) لم يوقف عبقريتَه الخالدةَ كونُ أمه مسفلسة وأشقائه بين أصَمّ وأعمى ومتخلّف عقلي، وأنّ هتلر (1889-1945) لم تجعله “استقامته” أقل بطشاً نازياً خلال حكمه (1933-1945)، وأن حياة روزفلت الشخصية (1882-1945) لم تمنعه من أن يكون الرئيس الأميركي الأقوى والأطول حكماً (1933-1945) ولا تشرشل (1874-1965) حالت سيرته المضطربة دون انتخابه مرّتين (1940-1945، و1951-1955) رئيساً لوزراء بريطانيا.
هكذا يتضح أن الحكْم يكون على النتيجة لا على المسببات، فليس ضرورياً أن يرث الحاكم والده العادل الـ”آدمي” ليكون هو عادلاً و”آدمياً”، وليس ضرورياً أن يخرج العبقري من أُسرة تقية ورعة ليؤول الى عبقري خالد على الأجيال.
وهذا ينطبق على حكّام كثيرين يحكمون، بقوة دفع وراثية حيناً وتوتاليتارية حيناً آخر، وليس من الضروري أن يكونوا صالحين، وأن العباقرة ينبغون بقوة دفع ذاتية، وليس من الضروري أن يكونوا أتقياء.
ولنا في سيرة العباقرة والحكام أكثر من دليل على مـرّ التاريخ.