8 أيار 2007 العدد 12188 السنة 36
شكراً للسيّدة الدكتورة ابتهال عبدالعزيز أحمد على مقالها (“القبس” – الخميس 3/5/2007) حول كتابتي (بالترجمة) أول أوبرا كاملة باللبنانية (“باستيان وباستيينا” لـموزار). ولو هي اكتفَت بي لكنتُ شكرتُها شفاهةً دون الكتابة. غير أنها، بنبلها الكويتي (ونحن معتادون على نبل الكويت تجاه لبنان) واصلت إلى الحديث عن لبنان ومقاومة لبنان هذه الفترة (الأشدّ حراجة في تاريخه الحديث) بتقديم “حدث مهِمّ على المستويين العربي والعالمي” (كما ورد في مقالها) وهو “بعث فينا الأمل من جديد في الثقافة والفن العربيين” و… “كان لوقع الكلمات اللبنانية على أنغام موزار تأثير غريب وساحر في الأُذن”.
شكراً لها، الدكتورة ابتهال، على ما قالته عن لبنان وعن إيمانها (وإيمان معظم المثقفين الكويتيين) بقدرة لبنان على النهوض من كبواته مهما تأزَّمت. أما أن يكون “الغائب الوحيد عن الحدث هو الصحافة اللبنانية والعربية”، فهذا ما لم يعُد يوجعني يا دكتورة ابتهال، لأني قطعت كلّ أمل بأن تكون صحافتنا الثقافية (في معظمها) على مستوى “ما بعد التغطية” (حين تقوم أصلاً بالتغطية) لأن معظم صحافتنا (الثقافية أو العامة) هي صوت سيدها أو صوت الحاكم، فأين هي من صحافة ثقافية (في البلدان الراقية) توجِّه الناس بعدم انحياز مسبق، تاركة للمعلومة أن تأخذ طريقها إلى القراء، من دون إيحاء، ومن دون أن تكون المعلومة موزعة من “السلطة” أو من “استنساخ الخبر وتوزيعه كما هو على الجميع” وهو ما ينخر معظم صحافتنا المكمومة في الأنظمة التوتاليتارية، وهذه هي المنارة التي تُميِّز صحافة الكويت وصحافة لبنان. وليست مصادفة أن يصدر تقرير منظمة “فريدوم هاوس” الأميركية، وفيه أن “الكويت تحتل المركز الأول في حرية الإعلام بين الدول العربية في التصنيف العالمي لحرية الصحافة” وأن “لبنان يحتل المرتبة الثانية”، وأنّ “الكويت ولبنان وحدهما يتمتعان جزئياً بإعلام حر بين الدول العربية”.
يا عزيزتي الدكتورة ابتهال: مساحة الحرية التي أشرتِ إليها في مقالك النبيل هي التي تُميِّز تنفُّس لبنان ملء رئتيه. والمقاومة الحقيقية التي يَخوضُها لبنان اليوم هي للإبقاء على مساحة هذا التنفُّس، والوقوف المنيع في وجه كل أُصولية من أي نوع، وليس كالصحافة في لبنان قادرة على حمل مشعل الحرية اللبنانية التي تعادل بقاء لبنان، فلا لبنان من دون صحافة حرة، ولا صحافة من دون حرية، وشهداء صحافتنا الذين سقطوا، ظلَّت أقلامهم مرفوعة في وجه الريح، حتى تظلّ الريح تنكسر على أهداب أقلامهم.
أما تقصير الصحافة الثقافية أمام حدث “أول أوبرا كاملة باللبنانية” (عدا مقال الزميلة مي منسى في “النهار”)، فلا لوم على من لا يعرفون، بل على من يعرفون ويتوجّهون إلى تغطيات أُخرى و”اهتمامات” أخرى تمثل مستواهم “الاهتمامي” لا مستوى لبنان الإبداعي الذي سيظلُّ منجم إبداع ومبدعين، رسالته إلى العالم أن ينشر هذا الـ”قبس من لبنان”، سواء لحقت بإبداعه الصحافة أو تنبهت إليه لاحقاً، فقدر الفجر أن يطلع كل صباح، والديك لا يمنع طلوع الفجر، صاح هذا الديك أو كان منصرفاً إلى “اهتمامات أخرى”.
يا دكتورة ابتهال: حسْب كل عمل إبداعي أن يستأثر باهتمام الأنقياء، لأنهم وحدهم المعيار.
يسلم قلمك الكويتي النبيل الذي من زنبق ونار.