13 أيار 2008 العدد 12555 السنة 37
كم موجعٌ نبأُ قرارِ بعض الدول الشقيقة والصديقة إجلاء رعاياها من بيروت ومن لبنان!
حين صدر القرار، وأذاعته وسائل الإعلام، وصل الى اللبنانيين، الْمخْلصين اللبنانيين، غصّةً في قلوبِهم.
والقرار جاءنا من الكويت والمملكة العربية السعودية.
ماذا يعني؟ يعني من أقرب الأشقّاء الى اللبنانيين، أولئك الذين كان صيف لبنان يشترك معهم بزهوة الصيف.
يعني أولئك الذين لهم في لبنان بيوت، وفي بيروت وخارج بيروت مصالح واستثمارات وأعمال، وأصدقاء حتى الأهل.
يعني أولئك الذين يُحبّون لبنان، والذين، من خلال زيارتَين لي مؤخراً الى الكويت والرياض، عاينتُ لديهم، وسمعتُ منهم، ولَمستُ فيهم، حباً للبنانَ غيرَ عادي، وتعلُّقاً بصيغته وفرادته وميزته وطبيعته وشعبه وأهله ومناخه الفكري والفني والطبيعي، وخوفاً عليه وحسرةً وقهراً كأنه بلدهم، كأنه وطنهم، كأنه ولَدهم، كأنه والِدهم، كأنه حلمهم، كأنه جمالُهم مُجسّداً في وطن.
لَمستُ كلّ هذا، عرفتُ كل هذا، وكرروا لي لَهفتهم بأن يأتوا إليه هذا الصيف، وبأنهم ينتظرون وصول هذا الصيف، يصممون مشاريع فيه هذا الصيف، واعَدُوني أن نلتقي فيه هذا الصيف، ونذوق فيه الصيفَ هذا الصيف، وفرحتُ بِهم، كثيراً فرحتُ بِهم وبوعودهم وبانتظاراتِهم صيفَ لبنان، وبانتظاري إياهم هذا الصيف في صيف لبنان، نَخُطّ مشاويرنا معاً في جبال لبنان، على ساحل لبنان، في بَحر لبنان، نشمُّ فيه معاً أوكسيجين الحب والحرية والحياة الوسيعة في هواء لبنان.
كلُّ هذا واعدوني به، في الكويت وفي الرياض، ووعدتُهم به هذا الصيف، في صيف لبنان.
ولكن…
ها هي الكويت إياها، وها هي الرياض إياها، توعزان الى رعاياهما في لبنان أن يتركوا لبنان.
نفهم جداً حرص الكويت والسعودية على رعاياهُما.
ونَحترم هذا الحرص في سهَر الدولة على أبنائها في الخارج، بينما دولتُنا تشهد عقوق أبناء لها في صميم الداخل، في قلب الداخل، في طعنة الداخل.
لكننا نفهم أيضاً أن إجلاء الرعايا (ولو بعضها) عن لبنان، ناجمٌ عن أن لبنان لم يكرّس حتى اليوم جلاء الرعايات من أصدقائه في بلدان العرب والعالم.
والرعاية غير الوصاية.
الوصاية كانت شاذةً، مفروضة عليه، وتَحرّر منها.
غير أن الرعاية شرعية وطبيعية. فلبنان عضو في الأمم المتحدة، بل عضو مؤسس، وله كل الحق برعاية الأمم الصديقة التي تأتي، لا بالوصاية بل بالرعاية، حتى تنقذه من براثن الوصايات وتضعه في حماية الرعايات.
عندها لا تعود أية دولة تشعر بالخوف على رعاياها.
وعندها يعود لبنان الى لبنان.
ويعود واحةً آمنةً وأمينةً للرعايا الضيوف، ويعودُ الرعايا الضيوف فيه نُسغاً وفياً لأهله الأوفياء.