1 نيسان 2008 العدد 12513 السنة 37
زميلنا الكبير محمد السّمّاك، الكاتب الرصين والمحلِّل المتنوِّر، قالها (في مقاله الأسبوعي، بالإنكليزية، لِمجلّة “مانداي مورننغ”) صرخةً ناشبةً من وجع القلب في وجوه سياسيين لبنانيين يَسُوسُون لبنان الى إفراغه من القلب وملئه بالوجع.
قال إن في لبنان سياسيين متطرفين يَظهرون في برامج الـ”توك شو” التلفزيونية فينفُرُ منهم معظم الجمهور (عدا مَحاسيبهم وأزلامهم والمهيِّصين لهم قطعانياً ببغاوياً عميانياً -وهذا الاستدراك بين الهلالين لي وليس لأخي محمد السّمّاك-) فينفر منهم الجمهور وينقل الى برنامج آخر على محطة تلفزيونية أخرى، يشاهد فيلماً أو كوميديا طريفة، أو يكون مَحظوظاً فيتابع كونشرتو كلاسيكياً مع الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية بقيادة مؤسسها ورئيسها الدكتور وليد غلمية.
وقال إن على اللبنانيين أن يتحاشوا نَماذج سياسيين لبنانيين متحجِّرين عنيدين مقفِلين عقولهم عن كل ما هو جيد وفاضل وجميل، ما يقفل لديهم جسر الحوار والتواصل مع الآخرين، فيما اللبنانيون اليوم في حاجة قصوى الى كلّ جيّد وكلّ فاضل وكلّ جميل وكلّ حوار وكلّ تَوَاصل، كي يتيحوا لبعضهم البعض أن يكتشفوا آفاقاً جديدةً من المستقبل وأشكالاً جديدةً من التعبير.
وقال أخي محمد كذلك إن على اللبنانيين (حين لا ينقادون وراء تلك النماذج أعلاه من السياسيين) أن يبتعدوا عن التشنُّجات المتطرّفة الدينية والقبائلية والعشائرية والمزرعجيّة التي تدمِّر حس المعايير والصفاء وبصيرة الشعور الوطني والإنساني.
وقال محمد، الأَخي كثيراً، إن على اللبنانيين أن يتخلّوا عن كل ما يقزّم حاجاتهم الى الشعور بالحياة الهانئة والى اقتبالهم العيش في وحدة متماسكة بهيجة مفترض في لبنان أن يكون نموذجها في المنطقة وفي العالم.
وقال محمد الحكيم المتبصِّر (وهو المستشار الرصين لدى دار الإفتاء في لبنان والمقرَّب من سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية) إن اللبنانيين واعون حضور الطائفية السياسة، وهذا أمر واقع في كل الشرق الأوسط وعنصر أول رئيس يشكل شخصيته وهويته. لكنّ المشكلة مع السياسيين اللبنانيين: استغلالهم الطائفية في طرق وأساليب سلبية مدمرة أدَّت في الماضي (1860، 1958، 1975،…) الى مشاكل وصدامات بل حروب، وقد تؤدي الى أخرى إذا استمرت في الحاضر وقد تدمِّر المستقبل. فلماذا لا نتعلَّم من الأوروبيين الذين تنبَّهوا الى أنّ العصبيات القومية قادتهم الى حربين مدمرتين (1914 و1939) فتخلّوا عنها الى مؤسسات وطنية مشتركة كان تتويجها سنة 1992 بولادة الاتحاد الأوروبي؟ ولماذا لا يتخلى السياسيون اللبنانيون، ومعهم المواطنون اللبنانيون، عن الطائفية التي قادتهم الى كوارث، فيتّجهون الى مؤسسات مشتركة (مذهبية، طائفية، دينية،…) يكون تتويجها بولادة لبنان الواحد الموحَّد؟
وقال محمد السّمّاك بعد. قال أكثر بعد. ولو أنصفتُ لتركتُ له زاويتي (“قبس من لبنان”) كلَّها اليوم ولترجمت مقاله حرفياً كي يكون نموذجاً لكل من ينهد في لبنان الى خلاص لبنان.
نموذج؟ نعم. مثال؟ نعم. هذه الكتابة من محمد السّمّاك هي الهدوء الناضج الرصين الذي، برصانته العميقة وهدوئه الحكيم، يفضح رعونة تشنُّجات شخصية وشخصانية وانفعالية وكيدية يغرق في وُحُولها اليوم معظم سياسيي لبنان، متشدِّقين بأنهم يعملون لصالح الوطن، ولا يدركون أنهم يلحسون مبرد المنطقة وسوف يسيل بسببهم دم الوطن حتى تفرغ من دمه شرايـينُه.
لكننا لن ننصاع. ولن نيأس. وطالما عندنا أقلام كقلم محمد السّمّاك، وعقول كعقل محمد السّمّاك، وحقائق لبنانية تقال في عافيتها كما قالها محمد السّمّاك، فلبنان العيش الواحد (لا “العيش المشترك” المصطنع ولا “التعايُش” المزيف) هو الخلاص الآتي بعدما تسقط الأقنعة المستعارة عن وجوه معظم السياسيين اللبنانيين.