1 أيار 2007 العدد 12181 السنة 36
من أغرب ما طالعتْنا به “وثيقة الوفاق الوطني” (المنجزة بنودُها لدى ختام اجتماعات السياسيين اللبنانيين في مدينة الطائف السعودية سنة 1989) أن ترد في مطلعها عبارة “لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه”.
وإننا، مع تحيتنا للدولة المضيفة (المملكة العربية السعودية التي لا تترك لبنان في مِحَنه القاسية)، وللنية الطيبة التي حدت بواضعي هذا النص للتأكيد على تَمسُّك اللبنانيين بوطنهم، نستغرب فعلاً ورود هذه العبارة بِما تثير من خلفيات أدَّت إلى إيرادها.
“وطن نهائي”؟ معقول؟؟؟ هل أتجاسر وأسأل مواطناً من الكويت (الكويت التي انتفضت شعباً موحّداً مع حاكمها انتصاراً لكل حبة تراب من أرضها خلال الغزو العراقي) إن كانت الكويت “وطنه النهائي”؟ وهل يَمُرُّ في بال أحد أن يسأل مواطناً فرنسياً أو ألمانياً أو أميركياً إن كانت فرنسا أو ألمانيا أو الولايات المتحدة “وطنه النهائي”؟ وهل مَن لا يتوقَّع ردَّة فعل أيِّ مواطن عند تسآله إن كان وطنه هو “وطنه النهائي”؟ وهل بديهي أكثر من الجواب المتوقّع؟
“وطن نهائي”؟ شو يعني؟ وهل يمكن أن يكون الوطن “مؤقّتاً”؟ هل الوطن فندق نسكنه ثم نغادره حين تنتهي فترة الإقامة أو إذا لم تعجبنا الإقامة فيه؟ هل الوطن منْزل نتركه إلى منْزل آخر إذا لم يعجبنا موقعُه أو جوارُه أو مُحيطُه؟ هل الوطن “سكَن مؤقت” نقطنه بانتظار سكَن آخر أو سكَن أفضل؟
ثم… “نهائي لجميع أبنائه”؟ شو يعني؟ هل قسم من أبنائه يؤمن به “وطناً نهائياً” والقسم الآخر يؤمن به “وطناً مؤقتاً” بانتظار الانتقال إلى “وطن آخَر” أو بانتظار “توسيعه” ليكون جزءاً من وطن أكبر، أو إلْحاقه بوطن آخر مجاور أو شقيق أو صديق أو حليف، باسم القومية أو المنظومة أو الاتحاد أو التحالف أو الوحدة؟
إن كان هذا هو المقصود (وقد لا يكون البعض يعتبر لبنان “كياناً مستقلاً” بل يرى إليه أنه – أو يعمل على تحويله الى- “كيانٍ” جزء، أو كيان مرشَّح أن يتحول إلى “ملحق”) فحتى في هذه الحالة (ونأمل أن يكون الجميع في لبنان اليوم “ارعووا” وأقلعوا عن هذه الفكرة) لا يجوز، خجلاً من الأجيال المقبلة، أن ترد عبارة “لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه” في مقدمة دستور مُجمَع عليه.
“وطن نهائي لجميع اللبنانيين”؟ معقول؟؟؟ وهل كنا في حاجة إلى هذا التأكيد البديهي كي يطمئنّ بعده اللبنانيون إلى أن لبنانهم ليس فندقاً مؤقَّتاً يسكنونه، ولا أرضاً بالإيجار يعيشون عليها؟ وهل كانت هذه العبارة وردت في “ميثاق الطائف” لو لم يكن بين المجتمعين من ليسوا مؤمنين بأن لبنان وطنهم بل يؤمنون بأنه جزءٌ من بلادٍ أخرى أو بقعةٌ في أرض أوسع؟
إن اللبنانيين الحقيقيين (مقيمين على أرض لبنان المقدسة أو منتشرين في كلّ الدنيا) يرفضون الشك في لبنان الكيان والشعب والأرض، ولكنهم لا يرفضون الشك في سياسيين لبنانيين يتناهشون السلطة ويتناتشون الوطن لمصالحهم الخاصة، لأن الشعب اللبناني (وخصوصاً في هذه الأزمة الأخيرة) بات يدرك (؟!) من هو رجلُ الدولة الذي يعمل لبناء الدولة، ومن هو رجلُ السياسة الذي يعمل لبناء مصالحه أو لتنفيذ أوامر أسياد له لا يريدون للبنان أن تكون فيه دولة.
بلى: بدأ يتّضح أن لبنان هو طبعاً وطن نهائيٌّ، إنّما… لوحدهم المخْلصين الذين يستاهلون أن يكونوا أبناء لبنان.