15 كانون الثاني 2008 العدد 12436 السنة 36
من وكالات الأخبار، نهاية الأسبوع الماضي، هذان الخبران الطريفان من العالم “المرتاح”:
1) مقهى للبكاء: تَمَّ في شرقيّ بكين افتتاح أول مقهى صيني “للبكاء”، يُمكن رواده التعبير فيه عن حزنهم، فيما تتقدّم لهم “أفضل خدمات”، ومنها: مناديل لتجفيف الدموع، زيت نعناع لتخفيف الآلام، كميات بصل وفلفل أحمر وبَهارات لإستدرار دموع إضافية، موسيقى حزينة تَجاوباً مع مشاعر “الرواد الكرام”، جَـوٌّ عام من الحزن والكآبة يتناسب ومزاج “الحزانَى”. وفي أول إحصاء، للأسبوع الأول من هذا العام (2008)، أن المقهى استقبل نحو 3000 شخص، دليلاً على تفشّي ظاهرة الاكتئاب في الصين. وكانت تقارير علماء النفس للعام الماضي (2007) سجّلت نحو 29 مليون حالة اكتئاب.
2) ملابس للكلاب: في موسم احتفالات الميلاد ورأس السنة الميلادية 2008، سجّلت إيرادات المخازن الأميركية الكبرى نَحو 41 مليار دولار ثَمن ملابس خاصة بالكلاب. ونشرت “الجمعية الأميركية لِمنتجات الحيوانات المنْزلية الأليفة” تقريراً جاء فيه أنّ “في هذه الظاهرة طابعاً إنسانياً حنوناً، لأن 7% من أصحاب الكلاب يشترون لكلابهم ثياباً خاصةً في الأعياد”. ونشرت صحيفة “شيكاغو تريبيون” مقالاً جاء فيه أنّ شبكة مَخازن “وولْمارت” الشهيرة (أكبر شركات البيع بالمفرّق في الولايات المتحدة) حقَّقت أرباحاً خيالية فائقة من بيع ملابس الحيوانات المنْزلية الأليفة (ومنها ثياب الكلاب).
الى أين من هذَين الخبَرَين؟ الى أن الدول “المرتاحة” في العالم “المرتاح” تشهد إجمالاً حالة من اثنتين: البطر (كما في ذينك الخبرين من الصين والولايات المتحدة)، أو الانتحار (السويد، الدول السكندينافية،…).
وفي المقارنة مع العالم العربي (هذا التاعس الرازح تحت أطنان تقارير مَحلية وإقليمية وعربية وعالَمية حول نِسَب الفقراء والأميين)، يتّضح أن العالَم العربي لا يزال بعيداً مئات السنين الضوئية عن الترف والرفاه، رغم ما فيه من (أفرادٍ طبعاً) أغنياء يزاولون حياتهم في بلدانهم أو في الغرب، ولا يكلّفون كرمهم الباذخ تَخصيص مبالغ (ضئيلة في ميزانياتهم الشاسعة) يُسْدُونَها لِمساعدة برامج (مَحلية أو إقليمية أو عربية أو دولية) لِمحو الأمية ومُحاربة الفقر.
أعرف أن هذا ليس عمل أفراد فقط، بل شغل الدول. لكن الدول العربية (بقطاعاتِها الرسمية) غارقة في مشاكل هي بين الحروب مرة، أو الدفاع عن أرضها في الحروب، أو إيْجاد حلول لِمعضلات فساد فيها تَحُول دون انصرافها الى أمور أخرى.
ولو جاء في العالَم العربي من يفتح “مقهى للبكاء” في دولة عربية، لوجد رواده 90% من مواطني هذه الدولة هرولوا الى المقهى يُمارسون “بكاءهم ونواحهم وعويلهم” لشدّة ما لدى المواطنين العرب من حزن ويأس وإحباط وانكسار ومصير مَجهول.
ولو جاء في العالم العربي من يفتح مَحلاً لبيع ملابس الكلاب والقطط، لأعلن إفلاسه في الشهر التالي لأن المواطن العربي لا يَجد في جيبه ما يشتري به ثياباً لأولاده (الثمانية أو العشرة أو ربما أكثر)، لأن النسل العربي “مزدهر” في العالم العربي الى حدّ أن الكثيرين من الأطفال العرب يشتهون ما تترفَّه به الكلاب والقطط في الغرب الْمُرَفَّه.
من هنا السؤال الدائم: هذا العالم الثالث (ومنه العالم العربي) متى يعلو درجةً واحدة عن العالم الثالث والثلاثين؟