الأربعاء 30 حزيران 2010
الكلمة الأَحَبّ
ما الكلمة؟ حروفٌ، مُجرَّد حروف؟ مضمونٌ ذو معنى، ذو مدلول؟ شكلٌ ذو جمال؟ رمزيةٌ ذاتُ دلالة؟
للكلمة موقعٌ في الذات هو غيرُهُ في السوى. ترتبط بقارئها أو قائلها ارتباطاً ذا علاقة خاصة بأسباب ذاتية تختلف بين شخص وآخر.
وللكلمة مدلولٌ ذو بُعدٍ شَخصيٍّ: عاطفي، اجتماعي، روحاني، أو حتى مهني (كلمة “بَحر”، مثلاً، تَعني للشاعر غير ما تعني للرسام أو الموسيقي أو البحّار). من هنا ارتباط الكلمة بالموقع (المكان، البيئة، المهنة، الخبرة،…) وبشخصية مستخدمها.
وللكلمة معناها الاصطلاحي الكَيفي، من هنا علاقتها بالمعنى، بالمدلول. (كلمة “أحمر”، مثلاً، تعني الكَرَز لأحدهم، والدم لثانٍ، والتفاحة لثالث، والعلَم اللبناني لرابع، الخ…). ما علاقة الكلمة بالمعنى؟ بالمدلول؟ بالسياق؟
وللكلمة تاريخها وأصلُها وهُويتها: هل هي بنتُ لغَتِها؟ مركّبة؟ مستوردَة من لغة أخرى؟ مترجَمة عن لغة أخرى؟
هذه السلسلة: “الكلمة الأَحَبّ” لتُجيب عن كلّ هذا الأعلاه.
كلمةٌ معيّنة بالذات: ماذا تعني لك؟ بِمَ توحي إليك؟ لماذا استخدامها لديك أكثر من سواها؟ لماذا تتكرّر في كتاباتك؟
سؤال نطرحه على المعنيّين بالكلمة: كُتّاباً، شعراء، أدباء، مبدعين، مؤلفين، موسيقيين، مسرحيين، رسامين، نحاتين، أكاديميين، مثقّفين، … كي نصل الى خلاصة تحليلية عن اللغة ومدلول اللغة و”لغات اللغة” انطلاقاً من الوحدة الأولى الأساسية التي هي الكلمة.
بعد أجوبة وليد غلمية وعبدالله نعمان وإملي نصرالله هنا جواب الأديب والباحث الدكتور أمين ألبرت الريحاني.
هنري زغيب
email@henrizoghaib.com
__________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________________
4) أمين ألبرت الريحاني: النُّسغ
أية كلمة أردّدها أكثر من سواها في كتاباتي الشعرية والنثرية؟ بل أية مفردة أناديها بلا انقطاع، أو أيُّ لفظ يناديني، يلاحقني، يطاردني بلا هوادة؟ قد لا تكون كلمة واحدة تناديني باستمرار بل كوكبة كلمات. لكن، إذا شئتُ اختصاراً، أَستقِرُّ عند واحدةٍ بينها: “النُّسْغ”، أسمعها تُناديني وتُلِحُّ في النداء. النُّسْغ عصارة شجر الصنوبر، صلصالُه الممتدُّ في عروقه اللامتناهية؛ وهو عطرُه، وروحُه، وماؤُه الزُّلال. النُّسْغ رحيقٌ قدسي، صمغٌ مذهَّب، قطرةٌ نديّة، فَورةٌ سَنيّة، عَبَقٌ أُرجواني، أريجٌ ملكي. وهو حيِيٌّ خَفِر، بَهيٌّ نَضِر؛ شديد الحساسيّة لكل همس ولمس. النُّسْغ دَمعُ الصنوبر، عَرَقُ عِرْقُه والأنفاس. هو عنوان الغبطة والحزن معاً. وفي كل حال يحمل في ثناياه ما يُنعشك، ويُغريك، ويتحدّاك، ويحرّضُك.
هذه المعاني تجتمع في لفظة النُّسْغ. بل تزدحم وتوحي بسواها ما يستجيب لتلك المعاني ولا يستجيب. لذا أستعين باستعارات مستندة إلى تلك الكلمة، تُوَلِّد منها احتمالات لامتناهية لـ”معنى المعنى”. من تلك الاستعارات: نُسْغ الياسمين، نُسْغ الأرض، نُسْغ الشِعر، نُسْغ الينابيع، نُسْغ الصخرة، نُسْغ الفلسفة، نُسْغ العين الإلهية، نُسْغ الأحزان، نُسْغ الأماني،…
_______________________________________
*) الأربعاء المقبل- الحلقة الخامسة: جوزف أبي ضاهر