هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

393. رُسُومُهُم قبل لوحاتهم

رُسُومُهُم قبل لوحاتهم

06-08-2024 | 14:09 المصدر: بيروت- النهار العربي
هنري زغيب
رامبرانْتْ: "صبي يتعلَّم المشي" (1660)

رامبرانْتْ: “صبي يتعلَّم المشي” (1660)

نادرًا (إِن لم يكُن خطأً) أَن يَبدأَ الرسام بمعالجة لوحته مباشرة على القماشة البيضاء فيتناول ريشته ويغمسها في أَنابيب أَلوانه ويروح “يؤَلَّف” لوحته مباشَرةً. من هنا أَن كبار الرسامين الخالدين كانوا يضعون – بالرصاص أَو بالفحم – مخطَّطات (سكتشات) للوحاتهم قبل أَن ينقلوا خطوط الفحم أَو الرصاص بالأَلوان إِلى اللوحة الزيتية (أَو المائية) النهائية. ومنهم كذلك مَن اعتَبَروا مخططاتهم الأُولى هي في مستوى لوحاتهم النهائية. لذا، في محفوظات تاريخ الفن، رسومٌ ومخططاتٌ باقيةٌ على أَنها روائع في ذاتها، وليست تمهيدًا للَّوحات في ما بعد.

ويرى النقاد ومؤَرخو الفن أَن الرسوم هي في أَساس كل فن. من هنا مقولة الرسام الروسي واسيلي كاندنسْكي (1866-1944) إِن “كلَّ عملٍ إِبداعي يبدأُ من النقطة”   

هنا عيِّنة بسيطة من خمسة مخطَّطات أُولى صارت في ما بعد لوحات زيتية.

 

مايكلانجلو (1475-1564)

يرى كثيرون من النقَّاد ومؤَرخي الفن أَنَّ ميكالانجلو هو أَهَمّ رسام في العالم وفي جميع العصور. ذلك أَنه زاول معظم قطاعات الفن: الرسم، النحت، التخطيط الهندسيّ، … وبرع فيها جميعها. سوى أَن قمة أَعماله، في رأْيهم، السكتشات الأُولى. لذا يعتبرونها روائع مستقلّة في ذاتها، ويدرسونها على أَنها أَعمال كاملة تامَّة.

كان ميكالانجلو، قبل مباشرته أَيَّ لوحة أَو تمثال، يضع عددًا (أَحيانًا وفيرًا) من المخطَّطات الدراسية كي يتبيَّن طريقَ ريشته أَو إِزميله، خصوصًا حين يريد أَن يرسم (أَو ينحت) شكلًا بشريًّا. وفي تلك المخطَّطات البليغة تُظهر أَهمية تَعَمُّقه بتفاصيل الجسم البشري، ما ساعده على إِنتاج إِبداعي للَّوحة أَو التمثال، خصوصًا: الوجه وتوشيح الملامح وسائر التفاصيل الدقيقة في أَيِّ منطقة من الجسم البشري.

ميكالانجلو: “حلْم الحياة البشرية” (1559)

رامبرانت (1606-1669)

كان النحات الفرنسي الشهير أُوغُست رودان (1840-1917) يسمِّي الرسام الهولندي رامبرانتْ “عملاق الفن”، ذلك أَن كانت في رسومه براعة مذهلة وطواعية عجيبة في نقل المنظر أَو المشهد أَو الوجه أَو أَيِّ ما يرسم، بشكل متْقَنٍ دقيق بجميع تفاصيله. لذا تناول الرسام الإِنكليزي ديفيد هوكني (م. 1937) رسْم رامبرانت “صبي يتعلم المشي” وقال عنه إِنه “أَعظم رسم رأَيتُه في حياتي”.

 

إِنغْر (1780-1867)

كان الرسام الفرنسي جان أُوغست دومينيك إِنغْر في طليعة الكلاسيكيين المحْدثين (النيوكلاسيكيين). اشتُهر بأَحجام في لوحاته فوق الحجم الطبيعي، ما ولَّد تقْنيةً خاصةً في الرسم لم تكُن قبله بهذا الشكل الدقيق. ومع أَنه كان موضع تقدير في لوحاته الزيتية المبدعة، كانت رسومُه كذلك مَوضع تدقيق ودراسة وإِعجاب، خصوصًا بأُسلوبه القُوْتي المذهل، ووفرة رسومه، بما فيها من تفاصيل خطوطية تتماوج بين الظل والنور، وإِيحاءَات في التواشيح كأَنها، بتعبيرنا اليوم، صورة فوتوغرافية.

إنغر: “زوجة فيكتور بالْتار وطفلتُها (1800)

 

دوغا (1834-1917)

فيما نحا معظم الانطباعيين إِلى رسم المناظر الطبيعية والمشاهد الخارجية، كان الرسام الفرنسي إِدغار دوغا يفضِّل رسم الناس، خصوصًا مَن منهم في تحرُّك، أَي يأْتي بحركة مشي أَو ركض أَو أَيِّ تَحرُّك آخر من أَيِّ شكل.

وهو بالفعل، طوال مسيرته الفنية، رسم المئات بالفحم أَو بالقلم الرصاص للَوحاتٍ خرجت من ريشته لراقصات باليه أَو لِمُغنّين، أَو لنساء مستحمَّات، وفي كل رسم منها دليلٌ على دقته المذهلة في التصوير المتأَنّي وفي الإِيحاء بالحركة في ما يرسم من مناظر أَو أَشخاص.

دوغا: “امرأَة تُنشِّف ساقها اليُسْرى” (1903)

كليْمْتْ (1862-1918)

لدى صدور أَعمال الرسام النمساوي غوستاف كليْمْتْ، أَجمع النقَّاد على التنويه بالأَوراق الذهبية، أَو اللمسات بأَوراق الذهب، في لوحاته، وهو انطبع بها في معظم أَعماله.  ويُجْمع مؤَرخو الفن على أَنَّ رسوم كليْمْتْ تتميَّز بخطوطها القوية، وخصوصًا  عند رسمه الوجه الأُنثوي.

كليمت: “وجه امرأَة مائل” (1918)

في مقال مقبل: أَشهر الرسامين برسومهم قبل لوحاتهم.