1 كانون الثاني 2008 العدد 12422 السنة 36
زيارتي الأُولى الى الكويت كانت سنة 1997، بدعوة من سفارتنا اللبنانية فيها لإلقاء أمسية شعرية، سبَقَها وتَلاها بعضُ جولات قصيرة على أرجاء من الكويت الطالعة يومها من دمار الغزو. وزيارتي الثانية كانت بعد عشر سنوات (نوفمبر الماضي) بدعوة من المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون للمشاركة بأمسية شعرية ضمن أنشطة معرض الكتاب.
وإذا كانت الكويت في زيارتي الأولى بدت تلملم جراح الغدر، فهي في زيارتي الثانية بدت تلملم أقواس الفرح، وتزدهي بما فيها من أنشطة ومعالِم وبُنْية تحتية وازدهار بعدما استعادت عافيتها الكاملة وعادت (منذ سنوات سابقة كثيرة) الى أَلَقِها السابق ونبضها الحيوي وإصداراتِها ومعارضها ومهرجاناتها الثقافية ومؤتمراتها الدورية، متجاوزة ما جرى، ولو غير متغافلة عنه في نبل الألم.
وفي الجولات التي قمت بها خلال تينك الزيارتين كنت أعرف أين كان الخراب، كيف كان الخراب، الى أي مدى كان الخراب، كيف احترقت آبار النفط، كيف فوجئت البيوت بالسرقة والنهب، كيف كان الدخان الأسود يغطي سماء الكويت أسابيع طويلة من نفيث آبار النفط المحترقة، وكيف طال الدمار الساحات والأماكن والمؤسسات والطرقات والشجر والمرافق الحيوية. ولكنني (خصوصاً في جولتي الأخيرة) رأيت سماء الكويت صافية أكثر، وساحاتها بهيجة أكثر، وأماكنها متألقة أكثر، ومؤسساتها ناشطة أكثر، وطرقاتها متجدِّدة أكثر، وشجرها شامخاً أكثر، ومَرافقها الحيوية حيويةً أكثر.
ما مناسبة هذا الكلام اليوم؟ فقرة من المقال الأسبوعي (كل أحد) للخبير الإقتصادي اللبناني الدكتور مروان اسكندر في جريدة “النهار” (الأحد الأسبق: 23/12/2007) بعنوان “أيها المتحكّمون، أوقفوا الضرر”، وفيه ينهال باللوم والغضب والصرخة العالية على النواب والوزراء اللبنانيين وسائر سياسيين يعرقلون الحل في لبنان ولو على حساب الشعب الذي يئن من فقر وجوع وخوف والسياسيون لا يأبهون.
مناسبة كلامي اليوم: مقطع من مقال الدكتور مروان اسكندر جاء فيه: “… كلُّ هذا، والحكومة اللبنانية لم تقرّ مشروعاً لدعم الاقتصاد، والمجلس النيابي طوال نحو من عام كامل لم يجتمع، وإن استثنائياً، لإقرار قانون تقسيط الديون وخفض الفوائد، في حين أن دولة الكويت، البلد الذي ينعم بالاستقرار والازدهار وفرص العمل الكبيرة، قررت توفير 1,1 مليار دولار لإعانة الكويتيين الذين لا يزالون يعانون من الديون الصعبة نتيجة أحداث تعود الى حرب العراق على بلدهم عام 1990”.
هكذا إذن 1990: تاريخ بداية الغزو في الكويت، وتاريخ انتهاء الحرب في لبنان. وها نحن اليوم بعد 17 سنة: الكويت عادت فنهضت في الحلة الأبهى، ولبنان لا يزال واقعاً يرزح تحت جدل سياسيين فيه كيديين عنيدين متوتّرين موتورين متشنّجين أنانيين شخصانيين شتّامين آخذين وقتَهم في التباري بالشتائم وتبادل التُّهم، قاعدين على رؤوس الناس، متحكِّمين بمصائر الناس، وسياساتهم الكيدية جعلت لبنان رصيفاً لميناء هجرة شبابنا الى أوطان الآخرين.
الكويت قادرة أن تعود بسرعة لأنها دولة نفطية، ولبنان لا؟؟ صحيح. لكن الأهم من النفط: الإرادة. الإرادة الكويتية المعلومة أعادت الكويت لؤلؤة الخليج، والإرادة اللبنانية المعدومة جعلت لؤلؤة الشرق لبنان ساحة لمصارعة ديوكه السياسيين.
فلْنتعلّم من الكويت كيف تكون الإرادة التي تبني بكل غيرية، لأن الأنانية السياسية اللبنانية (كالمعلَيشية والخوشبوشية والمحسوبية) جعلت لبنان بلداً منكوباً يستجدي الإعاشة من “الدول المانحة” لأن سياسييه جعلوه شحَّاذاً ذليلاً على أبواب الدول.