هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

380. كيف المغنّي بوب ديلان نال “نوبل” الأَدب؟ ( 2 من 2) 22-06-2024

كيف المغنّي بوب ديلان نال “نوبل” الأَدب؟ ( 2 من 2)

22-06-2024 | 12:40 المصدر: بيروت- النهار العربي
هنري زغيب
بوب ديلان المغنِّي الذي حاز نوبل الأَدب

بوب ديلان المغنِّي الذي حاز نوبل الأَدب
في الجزء الأَول من هذا المقال سردتُ كيف أَحد أشهر المغنّين في هذا العصر نال جائزة “نوبل الأدب”، وأثار موجة اعتراض من بعض الأدباء عندما تبلَّغوا الخبر صادرًا عن الأكاديمية السويدية في ستوكهولم نهار الخميس 13 تشرين الأول/أكتوبر 2016. وكانت تلك هي الخضَّة الثانية في مسيرته، بعد الأولى يوم أعلن التخلّي عن إلحاده، وإيمانه بالله وانضمامه إلى الكنيسة الإنجيلية نهار الأحد 14 كانون الثاني/يناير 1979.
في هذا الجزء أسرُدُ ملامح من ردود الفعل على نيله تلك الجائزة.
صيحات الاعتراض
نجاح بوب ديلان في غنائه لم يُغْنِهِ عن الغاضبين على نيله “نوبل الأَدب”. ففور إِعلان فوزه انهالت صرخات الاعتراض والغضب من أُدباء مكرَّسين اعتبروا أَنهم أَحقُّ بها منه. بين هؤلاء: الروائي الأُردني- الأَميركي ربيع علم الدين (م. 1959 في عمَّان، ثم انتقل ليعيش في كاليفورنيا)، وهو سخِرَ من ذاك الفوز، مشبِّهًا إِياه بــ”فوز السيِّدة ديبي فيلدز (مؤَسِّسَة سلسلة مطاعم شهيرة في أَميركا) بثلاث نجوم” (أَعلى جائزة مطعمية)، وواصل التشبيه مُسَخِّفًا “نيل ونستون تشرشل جائزة نوبل الأَدب سنة 1953 على كتاباته التاريخية وخُطَبِه السياسية”.
وكتبَت الروائية الأَميركية جودي بيكولْتْ (م. 1966): “أُهنِّئُ بوب ديلان على فوزه بجائزة أَدبية كبرى. ولكنْ… هل هذا يعني إِمكان فوزي ككاتبة بجائزة غْرامي للموسيقى”؟
مع كلْبه أَمام بيته
نقْد وتسخيف
بالسخرية ذاتها كتَب الروائي الأميركي جايسون بينْتِر (م. 1979) “هذا الفوز يعني إمكان انتخاب ستيفن كينغ ملِكًا على رقصة الروك إند رول” (كينغ كاتب أَميركي وُلد سنة 1947 ولُقِّبَ بـ”ملك الرعب” لِما في مؤلفاته من أَحداث رعب وقتل ووحشية). وسخر الروائي البريطاني هاري كونْزْرُو (م. 1969) من ديلان بأَن “هذا فوزٌ سخيف أَعرج مثل نَيل باراك أُوباما الجائزة لأَنه ليس جورج بوش”، ملْمِحًا إِلى استغرابه أَلَّا ينالَها الكاتب الإِسباني خافيير مارياس (م. 1951) أَو الكِينِيّ نْغُوغي واتْيُونْغُو (م. 1938) أَو الروائي الصيني يان ليانْكْ (م. 1958) أَو الكاتب النروجي داغ سولْسْتاد (م. 1941) أَو الكاتبة اليوغوسلافية دوبرافكا أُوغريزيك (1949-2023) حتى تنتشر مؤلفاتُهم إلى مساحات أَوسع من القراء، عوض أَن ينالَها مغَنٍّ نعرف جميعنا أَغانيه”. وأدّى موقف كونْزْرُو إِلى سؤال: هل الغاية من منح جائزة نوبل أن تكافئ كاتبًا على مؤلَّفاته أَم على شهرة ممنوحيها”.
يوم حاز جائزة نوبل
موجات التأييد
غير أن تلك الموجة من الاعتراضات لاقتْها موجة أُخرى من التأيـيـد. فهذا ستيفن كينغ يعلن عن فرحه بفوز ديلان. والكاتبة الأميركية جُويس أُوتس (م.1938) تجد أنه “اختيار لافت وفريد”. والكاتب سلمان رشدي (م. 1947) امتدح الأكاديميا السويدية وبوب ديلان معًا بأنّ “حدود الأدب تتّسع أكثر فأكثر ومهمّ جدًّا أَن تعترف جائزة نوبل بذلك”. وأَضاف في تغريدة له تويترية: “بوب ديلان وريث لامع من سلالة كبار الشعراء، ألغى الحاجز بين الأغنية والشعر”.
كان أَيقونة شباب عصره
رئيسة الأكاديمية
كان لموقف سلمان رشدي صدى إيجابي لدى الناقدة السويدية سارة دانيوس (1962-2019) أوّل امرأة ترأست الأَكاديمية السويدية، وهي التي أَعلنت فوز ديلان لــ”إضفائه فضاءاتٍ من التعابير الشعرية الجديدة إلى الأغنية الأميركية التقليدية”. وهي وضعت ديلان في مرتبة الإغريقيَّين هوميروس وسافو لأنهما كتبا “نصوصًا شعرية مسموعة ومُـمسرحة مع مرافقة موسيقية”. وأضافت أن “كتابات بوب ديلان يُمكن أن تُقرأ في ذاتها، بل يجب أن تُقرأ، لأنه شاعر كبير في تاريخ الأدب بالإنكليزية بالمعنى الأَوسع للإِرث الشعري”. واستشهدت على قولها هذا بألبومه “تلك الشقراء الشقراء” (1966). وعدا أغانيه، أصدر بوب ديلان مذكراته ومجموعة شعرية، وكان الروائي الياباني كازوو إيشيغورو (م. 1954 – “نوبل الأَدب” سنة 2017) معجبًا جدّا بـبوب ديلان، وله هو الآخر كتابات للأغاني قبل أن ينصرف إلى الكتابة القصصية الخيالية.
يغنِّي مع الهارمونيكا
زملاؤه الموسيقيون ابتهجوا 
إلى ذلك، كان لعدد من الموسيقيين فرحهم بنيل بوب ديلان تلك الجائزة الكبرى، منهم المغني الإنكليزي روبن هيتشكوك (م. 1953) وهو هنَّأ ديلان على الجائزة وعلى إسهامه في التأليف للأغاني. وكذا فعلت المغنية الأميركية باتريسيا سميث التي غنَّت له “سينزل مطرٌ شديد” في احتفال تسليم الجائزة مع أنه لم يحضر ذاك الاحتفال، لارتباطه المسبق بمواعيد أخرى، وبعد فترة، في 2 نيسان/أبريل 2017، أَعلنت سارة دانيوس أن بوب ديلان قصَد الأَكاديمية السويدية وتسلَّم الجائزة في احتفال شخصيّ خاصّ وتسلَّم الميدالية الذهبية والشهادة. وفي 5 حزيران/يونيو 2017 ألقى كلمة الشكر مستشهدًا فيها بهوميروس في “الأُوديسيه”، ومما قاله: “أغانينا حيَّةٌ على أرض الحياة. لكن الأَغاني غير الأدب. فهي موضوعة لتُغنَّى لا لتُقرأ. والكلمات في مسرحيات شكسبير وضعها لتُمَثَّل على المسرح، تمامًا كما كلمات الأَغاني توضَع كي تُغنَّى لا لتُقرأَ في الصفحات. من هنا قول هوميروس: “غني بي يا موحيتي وهيمي بي كما قصة”. وفي ذلك يردّد ديلان كلام دانيوس التي ذكرت هوميروس وسافو، لكنه تميَّزَ عنها باعتباره الأغاني وجهًا من وجوه الأدب. ففيما وضعته دانيوس في مصاف كبار الشعراء، مايز ديلان الأغاني عن الأدب لأنها توضع كي تُغنّى تأْديةً على المسارح. وهذا ينطبق على مسرح شكسبير، كما استشهد ديلان، لأن كلمات الأغاني تدخل شاعريًّا في قلب الأدب كما كلمات شكسبير غُنِّيَت في مسرحياته وهي في قلب الأدب. وهذا ما يبرّر للأكاديمية السويدية اختيارها إيّاه كـ”شاعر” لا كمجرَّد “مغنٍّ” أو “كاتب أَغانٍ” يغنّيها على المسارح.
معايير الأَكاديميا
هكذا كان نيل بوب ديلان “نوبل الأدب” موضع جدل بين مؤيّدين ومنتقدين. ولعلّ أَبلغ تأييد له: قول ستيفن كينغ إن “نَيْل بوب ديلان نوبل الأدب أَمرٌ مفرح في زمن الحزن والركود”. وبعده قام جدل مماثل لدى نيل الروائي النمساوي بيتر هانك (م. 1943) تلك الجائزة سنة 2019.
حين طرح الصحافيون على سارة دانيوس سؤالاً إِن كان بوب ديلان يستحقُّ تلك الجائزة أجابت: “طبعًا يستحقّ. وها هو نالها عن جدارة”. وكانت الأَكاديمية السويدية تعرَّضت سابقًا غير مرّةٍ لانتقاداتٍ قاسية حين اختارت مَن هم أقلُّ استحقاقًا ممَّن يظن البعض أنهم يستحقُّونها. وهذا رأي نسبيّ يعود إلى الدوافع والمعايير التي تحدو بالأَكاديمية السويدية إلى تحديد اختياراتها كل عام.