هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

366. جبران العبقريّ… تاجرٌ فاشل (1 من 2) 03-05-2024

جبران العبقريّ… تاجرٌ فاشل (1 من 2)

03-05-2024 | 13:20 المصدر: بيروت- النهار العربي
هنري زغيب
البنايتان سببُ المغامرة "الفاشلة"

البنايتان سببُ المغامرة “الفاشلة”

كثيرون جدًّا، في لبنان كما حول العالم، يعرفون جبران الكاتب في مؤَلفاته العربية وتلك الإِنكليزية وأَخصُّها “النبي”. وكثيرون يقرأُون صفحات من سيرته المهنية والعاطفية. لكنَّ قليلين منهم مُطَّلعون على صفقة تجارية فاشلة تورَّط فيها جبران، وخسر مبلغًا كبيرًا من المال كان اقتصَدَه من مبيع كتبه ولوحاته ورسومه، ما جمَّد قلمَه وريشتَه طويلًا بعدها، لقوَّة الصدمة القاصمة، قبل أَن يعود من جديد إِلى الكتابة والرسم.

المغامرة “الفاشلة”

تلك المغامرة “الفاشلة” خاضها مع صديق له لبناني: رجل الأَعمال فارس معلوف (1892-1958). رواها بالتفصيل نسيبُهُ المحامي الأَميركي ذو الأَصل اللبناني تشارلز معلوف سماحة Attorney Charles Samaha ، في كتابه بالإِنكليزية Faris Saleem Malouf:  A Voice In The Dark (“فارس سليم معلوف: صوت في العتمة”). واختصره في مقال طويل استند في بعضه إِلى وثائق مما كان الباحث الإِيطالي الجبراني المدقِّق فرنشسكو ميديتشي Francesco Medici، وأَصدره في موقع Kahlil Gibran Collective لناشره غْلِنْ حبيب كالِـم Glen Kalem.

حيال ما في هذا الفصل غير المعروف تمامًا من حياة جبران، أُورِدُ في هذا المقال فصولًا رئيسةً من تلك المغامرة “الفاشلة”.

يعرف القراء كثيرًا عن سيرة جبران. فماذا عن شريكه في المغامرة “الفاشلة” فارس معلوف.

من هو ؟

هو ابن سليم معلوف من زَبُّوغا، وإِليصابات نجَيم من كفرتَيْه. وُلِد في بلدة زَبُّوغا (المتن الشمالي-جبل لبنان) في 16 تموز/يوليو 1892. هاجر إِلى أَميركا سنة 1907 فعمل بائعًا جوَّالًا في أَتْلِنْتَا (جورجيا) ثم انتقل فترةً إِلى نيويورك، واستقر أَخيًرا في بوسطن سنة 1909 متعاطيًا الأَعمالَ التجارية والعقارية، واشتهر حتى بات لاحقًا محاميًا وسياسيًّا.

بعد نحو سنة من وجوده في بوسطن، تعرّف بجبران الذي كان يأْتي من نيويورك إِلى بوسطن يُمضي أَيامًا مع شقيقته مريانا. وتوطَّدت الصداقة بين جبران وفارس، إِنما لم يكن بينهما أَيُّ عمل مشترك.

حين شهدت مطالعُ العقد الثاني من القرن الماضي هَبَّةً عقارية واسعة، أَراد الصديقان أَن يَزيدا من دخْلهما، فاتفقا على شراء بنايَتَيْن (كلٌّ منهما ذاتُ 7 طبقات) هما 409 و411 على شارع مارلبورو (قرب جادة ماساشوستْس الرئيسة في بوسطن). يعود بناؤُهما إِلى سنة 1890، وتغيَّر أَصحابهما 12 مرة بين 1890 و1922. المبنى 409 يضم 12 وحدة سكنية، والمبنى 411 يضم 6 وحدات سكنية،  والبنايَتَان معًا تضمَّان 160 غرفة.

غلاف كتاب تشارلز سماحة وفيه تفاصيل الصفقة الفاشلة

المعاملات القانونية

في منتصف شباط/فبراير 1924 عمَد جبران وفارس إِلى توكيل المحامي اللبناني الأَميركي الشاب الياس شمعون (خريج كلية الحقوق في جامعة هارفرد سنة 1923) لينوب عنهما في إِتمام عملية الشراء. وكانت صاحبة الـمُلْك السيدة غريس ماك كلاري طلبَت مبلغ 197،000 دولار ثمنهما.

عند توقيع العقد كان متأَخرًّا على البنايتَين مبلغ 7333 دولارًا هو مجموع متأَخراتٍ للدفع من الشاري السابق ومتأَخرات غير مدفوعة لبلدية بوسطن ومتأَخرات في فواتير المياه ومتأَخرات في دفع إِيجار بعض الشقق وفواتير غير مدفوعة لشركة التأْمين. وكان على جبران وفارس تسديد تلك المتأَخرات عدا ثمن البنايتَيْن.

فارس معلوف شريك جبران في الفشل

 عربون وعمولة

يوم توقيع العقد كان جبران وفارس دفعَا سلفًا 2000 دولار عربون الشراء، و4000 دولار عمولة للوسيط السمسار، فتحوَّل عقد الشراء إِلى اسميهما. ولم يَـمْضِ شهرٌ حتى كانت السيدة ماك كلاري صرفت مبلغَهما في شراء خمس بنايات عتيقة في ناحية نيوتُن – بوسطن.

أَول ما كان على الشاريَيْن جبران وفارس: أَن يتعهَّدا دفع قرضَيْن عقاريَّيْن مستحقَّين (رهْن): الأَول لـ”مؤَسسة التوفير” في روكسبُري (بوسطن) قيمتُهُ 12،500 دولار، والآخَر لـ”شركة جنوبي بوسطن العقارية” وقيمتُهُ 40،000 دولار يتم تقسيطه على دفعات كل ثلاثة أَشهر بفائدة 7 بالمئة سنويًّا. وكان عليهما، علاوةً على ذلك، دفع رهن ثالث للسيدة ماك كلاري قيمته 11،800 دولار يقسِّطانه دفعاتٍ شهريةً من 200 دولار بفائدة 6 بالمئة سنويًّا. ودفَعا عند توقيع العقد مبلغ 11،671 دولارًا مناصَفَة بينهما.

تشارلز معلوف سماحة كاشف الصفقة “الفاشلة”
 

المستأْجرتان

بعد أَسابيع قليلة من توقيع عقد الشراء، أَجَّر جبران وفارس تينَك البنايتَيْن معًا للسيدتين جوزفين كْويمْبي وهارييت فاولِر، ووقَّعا معهما في منتصف آب/أغسطس 1924 عقدًا للإِيجار مدتُه عشر سنوات، يبدأُ مفعوله في الأَول من تشرين الأَول/أُكتوبر 1924. وفي العقد أَنّ وجهة استعمال البنايتين: إِنشاء “نادي فانواي للنساء”.

في الفترة بين توقيع العقد وتسليم البنايَتَيْن تعهَّد جبران وفارس إِجراءَ تصليحات فيهما وترميمات تكلف نحو 12،000 دولار، مقدِّرَيْن أَن الإِيجار الشهري منذ مطلع كانون الثاني/يناير 1925 سيكون كافيًا ليسدِّدا به الرهن المثلَّث. وارتاحا إِلى هذا الشراء، سعيدَيْن بأَنه “استثمار حكيم” قاما به سيعود عليهما بالمال الـمُريح. وفي رسالة من جبران إِلى ماري هاسكل (4 أَيلول/سبتمبر 1924) كتب لها أَن المدخول السنوي الصافي له ولشريكه سيكون نحو 12،000 سنويًّا (ما يعدل اليوم نحو 160،000 دولار).

إِهداء جبران إِلى إحدى السيّدتَيْن المستأْجرتَيْن

الشك والقلق

بدءًا من تشرين الأَول/أُكتوبر 1924، راح جبران يقلق من هذه الصفقة، لأَن دفع التصليحات والترميمات (12،000 دولار) يفوق ما سيقبضون من الإِيجار. ولم يكن في تَلَكُّؤ السيدتين المستأْجرتين عن الدفع الشهري ما يكفي لدفع المصاريف المستحقَّة وأُجور عمَّال الترميم.

في كتاب باربرة يونغ “هذا الرجل من لبنان” رَوَت أَنه أَسرَّ لها بِنِيّتِهِ أَن يرفع دعوى على السيدتين إِذا أَخلفَتَا في دفع الإِيجار، علْمًا أَن إِحداهما، السيدة فاولر، كانت سأَلتْه نسخةً موقَّعَةً من كتابه “النبي” فكتب لها في الإِهداء بلُطْفٍ: “مع أَصدق تمنياتي”. وفي رسالتَيْن إِلى ماري هاسكل (3 تشرين الأَول/أُكتوبر و12 تشرين الثاني/نوفمبر 1924) كتب لها أَنه قد يكون قام بــ”عمل غبي” وأَنه “رجل ساذج حاول أَن يقوم بعمل ذكي”. وسأَلها إِن كانت تعرف أَحدًا يمكن أَن يساعده على هذا العبْءِ المالي.

ماذا فعلَت ماري هاسكل؟

ما الذي جرى في ما بعد؟

وكيف انتهت نلك المغامرة “الفاشلة”؟

هذا ما أُفصِّله في الجزء الثاني من هذا المقال.