11 كانون الأول 2007 العدد 12403 السنة 36
هزّتني آخر الإحصاءات التي نشرتْها في نهاية الأُسبوع الماضي الجمعية اللبنانية للأمراض الصدرية، والهيئة الوطنية لمرض الإنسداد الرئوي، وعنهما صدر بيانٌ (اشتراكاً مع وزارة الصحة في لبنان) يشير الى أنّ 90 في المئة من حالات مرض الانسداد الرئوي المزمن تعود الى التدخين في سن الشباب، ولو انّ المصاب توقَّف عن التدخين منذ سنوات طويلة. ذلك أن أثر التدخين، طاعون التدخين، سرطان التدخين، خبيثٌ الى حدّ أن كارثته على الصحة لا تظهر في سرعة، بل ينام الخطر القاتل، الموت البطيء، ينام طويلاً في شعاب الرئتين الدقيقة الصغيرة، ويروح يقضم يوماً بعد يوم في الرئتين حتى ينخرهما كالسوس القاتل، وعندها لا يعود ينفع أيُّ دواء، ولا أيُّ علاج مهما استدركه المريض أو استدركت المستشفيات. فالزمن لا يرجع الى الوراء، والصحة المنهارة لا ترجع الى الوراء، والموت لا يرحم.
وفي ذاك البيان الطبي الرهيب أنّ هذا المرض (الانسداد الرئوي البطيء) يصيب المدخّنين تدريجياً ولا يشعرون بالانسداد التدريجي بل يُحسّون بأنهم في عافية كاملة ولا يضرُّهم التدخين، حتى إذا بدأ الانهيار، يروح يسرع يوماً بعد يوم صوب الموت الآتي، ويصبح المصاب مصعوقاً بالسعال وضيق النفَس والعجز عن المشي ولو خطوات قليلة من دون الجلوس أو التوقف لأخذ نفس عميق لن يعود عميقاً لأن الهواء لا يعود يدخل الى كامل رئتيه إذ تكونان امتلأتا بقطران قاتل يسُدُّ مَجاري الهواء والتنفُّس في الرئتين، ولن يعود ينفع المريضَ استدراك ولا استلحاق لأن الرئتين تكونان اهترأتا نهائياً حين تبدأ عوارض المرض بالظهور، فتتقلّص المجاري الهوائية تباعاً، وتؤدي إلى الموت بالاختناق وعدم القدرة على التنفُّس، و… “لات ساعة مندم”!
ويشير البيان الى أن الانسداد الرئوي، حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، يَحتل المرتبة الرابعة بين حالات المرض التي تسبّب الوفاة في العالم، ناتجةً عن التدخين وانسداد المجاري الهوائية ما يجعل التنفس عملية صعبة. وغالباً ما تبدأ عوارض هذا المرض الطاعوني السرطاني المرعب القاتل، بالظهور بعد سن الأربعين، ولو ان الشخص أقلع عن التدخين منذ نهاية سن الشباب، هذه السنّ التي أظهرتها الإحصاءات في منظمة الصحة العالمية بأن 40 في المئة من المراهقين هم من المدخّنين.
وكم ينعصر قلبي وأنا أسير في حرم جامعي فأرى الطلاب يحملون جهاز الهاتف الخلوي في يد، وفي اليد الأُخرى علبة السجائر، لا كتاب في يدهم ولا دفتر، بل سيجارة في فمهم، أو أصابعهم تؤلف رسائل خلوية، أو آذانهم لصيقة بالهاتف الخلوي، وأفواههم تلغط بالتهاتف، أو تنشر في الجو دخان سجائرهم، وكذا تفعل مناخيرهم المملوءة بالنيكوتين المقرف.
و… من هذه الإحصاءات في البيان اللبناني، الى شباب الكويت، وتوسُّعاً الى شباب العرب جميعاً، هم الذين يعتبرون السيجارة مظهراً أساسياً من مظاهر رجولتهم، والصبايا يعتبرن التدخين مظهراً أساسياً من مظاهر إثبات حضورهنّ في المجتمع.
قلبي عليهم، شباب اليوم والصبايا، يتمتَّعون (!؟) بنفخ دخان سجائرهم من أفواههم ومناخيرهم، ولا يدركون أن هذا الطالع من الأفواه والمناخير بقيَت منه في رئاتهم جرثومةٌ خبيثة تنام طويلاً طويلاً، سنواتٍ قد تنام، وهي تنخر تدريجياً في فتحات رئاتهم الدقيقة والشعيرات الرقيقة، حتى إذا اكتمل النخر الخبيث يكونون بلغوا الأربعين أو أكثر، فيروحون يُمضون أيامهم بين طبيب ومستشفى، ولياليهم بين سعال وتَمَزُّقٍ في الصدر لا تعود تنفع فيه قيامة ولا ندامة.
يا شباب اليوم، فكِّروا في غدكم قبل أن تُشرق شمسه وتكونون أنتم الى غروب.