هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

33- كثرة التدخين و… قلّة الأخلاق

20 تشرين الثاني 2007 العدد 12382 السنة 36

يعرف أنه يموت كلّ يوم قليلاً، ويدخّن.
ويعرف أنه يؤذي حوله غير المدخّنين، ويدخّن.
ويعرف أنه مزعجٌ ومُقرفٌ ووقحٌ في إزعاجه الآخرين، ويدخّن.
ونعرف أنه لن يرعوي، ونكتب. ونعرف أنه لن يقرأ، وإذا قرأ لن يهتمّ، ونعطي هذه الإحصاءات الصادرة حديثاً عن “منظمة الصحة العالمية”: عدد المدخّنين عام 2007 بلغ ملياراً وثلاثمئة مليون (بينهم مليار من الرجال)، ما يشكّل نحو ثلث سكّان العالم ممن هم فوق الخامسة عشرة، و84% من هؤلاء المدخّنين هم من سكان العالم الثالث (والعالم العربي في صدارته). وتشير الإحصاءات العلْمية الرصينة (إذا استمرّت هذه الآفة بالتوسُّع خصوصاً بين المراهقين) الى أنّ هذا الرقم مرشّح للازدياد كي يرتفع عدد المدخنين الى نحو مليارين مع العام 2025. وتؤكد الدراسات أنّ التدخين بعد أقل من ربع قرن (تحديداً سنة 2030) سيصبح المصدر الأول والأكبر للوفيات في العالم، فيموت 10 ملايين شخص سنوياً، منهم 7 ملايين في العالم الثالث. وبيّنت الإحصاءات أنّ التدخين يتراجع في أوروبا وأميركا الشمالية (بفضل حملات التوعية) ويتزايد جداً في أفريقيا والشرق الأوسط.
وعن “المشروع العربي لصحة الأسرة في جامعة الدول العربية” أنّ نسبة المدخنين العرب عالية بين الشباب بين الخامسة وعشرة والخامسة والعشرين، وأن نسبة المدخنين تزداد في نسبة مخيفة بين تلامذة المدارس (12 الى 15 عاماً) وطلاب الجامعات (16% في تونس، 14% في فلسطين، 13% في لبنان، 12% في الجزائر). وعن المشروع نفسه أنّ مصاريف التدخين في العالم العربي تستحوذ على 5% من موازنة العائلة العربية، متقدمة على مصاريف التعليم (3%) والنظافة (2%) والثقافة (0،5%).
وتأتي هذه النسب المتزايدة بسبب انتشار التدخين بين البالغين والكبار (سيجارةً وسيجاراً وأركيلة – “شيشة” -) في ظاهرة بلغت أعلى درجة من هذا الوباء الاجتماعي الذي يهدّد مُمارسه ومحيطه وجواره بالموت الأكيد.
ويأتي تصرُّف المدخن أحياناً فظّاً فوق إزعاجه الآخرين. فما القول في مدخّن يتوجّه الكلام إليه لوماً أو انزعاجاً فيجيب: “من لا يدخِّن فليبتعدْ عن المدخّنين، نريد أن نستمتع بتدخيننا”. ففي أيّة خانة أخلاق ولياقة وذوق يمكن تصنيف هذا المدخّن؟
لو كانت السيجارة قطعة حلوى يتلمّظُها المدخِّن فيتمتّع بها لوحده (وتؤذيه لوحده فيموت بها وحده مسموماً أو مَخنوقاً أو عرضة للسرطان وسواه من أمراض يتسبّب بها التدخين)، لهان الأمر وليرحمه الله سلفاً. ولو كان يبتعد عمَّن حوله بكل تهذيب وأخلاق كي لا يزعج سواه أو يؤذي مُحيطه، لهان الأمر ولما اعترض عليه أحد. أما أن يكون المدخّن مصدر ضرر صحي أكيد لِمن حوله في القاعة أو الصالة أو السيارة أو الباص أو الى طاولة المطعم، فهو عندئذٍ مصدر جرم أكيد، متفاوت الضحايا والموت لكنه جرم على أيّ حال (وفي أقل الأحوال هو اغتصاب حرية الآخرين). فما الفرق بين مَن (ولو من غير نية مسْبَقَة) يقتل سواه بالنيكوتين، ومن يقتل سواه برصاصة أو بسيف أو بصدمة سيارة؟
الى هذا الحدّ، ضَرَرُه؟ نعم الى هذا الحدّ.
ولذا هو مصدرُ ضررٍ وجرْم وأذى.
ولذا هو فاسدٌ وشرّير.
ووقح.