أَشهر المنحوتات في تاريخ الفن (1)
الانتصار الـمُجنَّح
عملًا في الأَبعاد الثلاثة بالرخام والبرونز والخشب وسواها، نجح النحاتون في إِطلاع أَعمال ذات أَشكال باهرة الجمال. منذ العصور السحيقة، والنحتُ دليل ناصع على فهم ثقافات الشعوب، سواء من التماثيل النصفية لزعمائهم أَو أَشكال من مخيلة النحاتين وأَذواقهم وميولهم.
لائحة أَجمل المنحوتات وأَشهرها يطول تعدادها، منذ تمثال فينوس دو ميلو المقطوع اليدين، إِلى منحوتات المحاربين الصينيين بالفخار لحماية الأَمبراطور الصيني، راحت المنحوتات تُستَحدَث مع الزمن حتى وصلت إِلى أَعمال مرسيل دوشانDuchamp (1887-1968) الـمُغرِقَة في غرابة الدادائية والسوريالية.
سوى أَن الأَعمال الكلاسيكية لا تزال سيِّدة العصور، سواء كما “تمثال الحرية” وما يحمل من رمزيات، أَو منحوتات أُومبرتو بوتشيوني (1882-1916) المستوحاة من الفن الإِغريقي القديم.
لإِعطاء فكرة عامة عن التنوُّع في مسار المنحوتات عبر التاريخ، اخترتُ باقة منها في هذا المقال المتسلسل، بين التي استحوذَت على اهتمام النقَّاد وروَّاد المتاحف في العالم.
1. فينوس ويلِندورف: طولها نحو 11 سنتم، منحوتى بالحجر الكلسي، اكتشَفها فريق باحثين في مدينة ويلِندورف (النمسا) يوم 7 آب/أُغسطس 1908. يرجَّح أَنها ترقى إِلى نحو 25 أَلف سنة قبل الميلاد، ما يجعلها أَقدمَ منحوتة في تاريخ الفن. وبسبب التدوير المضخَّم في نهديها، والاستدارة في بدنها، والتضاريس في الخاصرتين، استنتج النقاد والباحثون الخبراء في تاريخ الفن أَنها قد تكون رمز الخصوبة،كما رمزية فينوس إِلهة الجمال والخصوبة في الميتولوجيا اليونانية. وهي اليوم محفوظة لدى متحف التاريخ الطبيعي في فيينا.
2. تمثال نفرتيتي النصفي: موجود حاليًّا لدى “المتحف الجديد” في برلين، مصنوع من الحجر الكلسي الملوَّن، ويرقى تاريخه إِلى نحو العام 1345 قبل الميلاد. نفرتيتي هي الزوجة الملَكية لفرعون مصر أَخناتون. اكتُشف لدى محترف فنان يدعى تحوتمُس في تل العمارنة (مصر)، وبات منذئذٍ رمز الجمال النسَوي عبر العصور، ولعلَّه أَكثر التماثيل انتشارًا من حيث النسَخ التي تُنحَت عنه.
3. المحاربون الصينيون: مجموعة تماثيل صغيرة في مدينة تْشِيان (الصين) تُعزى إِلى الجيش الذي كان يتولى حماية كين شي هْوانغ مؤَسس سلالة كين وأَول أَمبراطور على الصين الموحَّدة بين سنة 221 و210 قبل الميلاد. المجموعة الكاملة تتأَلَّف من 8000 محارب و130 عربة و670 حصانًا. وطبيعة النحت تشير إِلى أَنها من فئة الفن الجنائزي، لأَن هذا الجيش مرصود على حماية الأَمبراطور بعد الممات. تم اكتشاف هذه المجموعة سنة 1974 حين كان مزارعون ينبشون في الأَرض كي يحفروا بئرًا على بُعد كيلومترين من ضريح الأَمبراطور، فاصطدَمَت بها معاولهم. ومن يومها وعددٌ من تلك التماثيل يدور على معارض جوَّالة حول العالم، حتى أَن ضريح الأَمبراطور، في سجلات منظمة اليونسكو منذ سنة 1987، بات على لائحة الـمَعالم التراثية العالَمية.
4. تمثال لاوكون ووَلَدَيه: تَمَّ اكتشافه في روما سنة 1506، وهو اليوم لدى متحف “بيوس – كليمانتينو” في حاضرة الفاتيكان. يمثِّل الكاهنَ الطروادي لاوكون وولديه آنتيبانتِس وثِمبراوُس في مواجهة أَفاعي البحر السامة، عقابًا من الإِلهة آثينا على أَعمال لاوكون الشريرة. منذ القرن السادس عشر يستقطب هذا التمثال اهتمام علماء الآثار وعشَّاق النحت معًا. والتمثال مثلَّث الأَشخاص من رخام صقيل، يجسِّد ما ورد في حكاية الأُسطورة اليونانية. وما زال النحات صاحب التمثال حتى اليوم مجهولًا وموضع سرٍّ لم يُكتشَف، لكنه يُعتَبَر من أَجمل التماثيل والمنحوتات الخالدة في تاريخ الفن.
5. الانتصار المجنَّح في ساموتراس: تمثال يعود إِلى نحو سنة 190 قبل الميلاد. موجود حاليًا في متحف اللوفر. وهو مثال النحت الهيلينييتي الإِغريقي. يمثل انتصار نايْك الإِلهة اليونانية رمزَ الانتصار، وهو أَحد التماثيل الهيلينستية القليلة الباقية أَصليةً من زمن النحت اليوناني القديم، وليس نسخة رومانية لاحقة. اكتُشِف في جزيرة ساموتراس (شمالي بحر إِيجه) وهو يرقى إِلى القرن الثاني قبل الميلاد. ومن الثوب المنهدِل على جسمها، تبدو الإِلهةُ ناهدةً إِلى فوق، كما لو انها عند مقدِّمة سفينة، وتقود جيشها نحو الانتصار. ويُعتبَر هذا التمثال من أَجمل التماثيل في تاريخ الفن، تأَثّر به لاحقًا أُمبرتو بوتيوني في تمثاله “أَشكال مفرَدَة في الفضاء” (1913).