13 تشرين الثاني 2007 العدد 12375 السنة 36
تحية تقدير واحترام للبادرة النبيلة التي قامت بها (في بيروت قبل أيام) “مؤسسة الفكر العربي” (ورشة عمل لإعداد “مشروع التقرير العربي للتنمية الثقافية”). ونحن اعتدنا هذه المؤسسةَ ناشطةً في العمل: ندواتٍ ومؤتمراتٍ وجوائزَ لتفعيل العمل الثقافي والتربوي والتنموي على وسع هذا العالم العربي. وجاءت ورشة العمل الأخيرة تبحث في بيروت أفضل سبل تُمهِّد لـ”إصدار أول تقرير عربي شامل عن مختلف جوانب التنمية الثقافية في العالم العربي، وواقع البحث العلمي وسبل تطويره”. وشارك في رسم “خارطة الطريق” هذه خبراءُ كبارٌ في العلوم والبحوث والإعلام.
عال. ممتاز. الفكرة راقية ونبيلة وطَمُوح. غير أن هذا التفكير لا يزال في البنية الفوقية من الواقع العربي، ولم يلامس واقعاً مُزْرياً يتخبَّط فيه الفرد العربي بين جهل وأميّة وقمع وأنظمة زجْرية لا تتيح له كوّة صغيرة في سماء الحرية والتعبير. وقبل أن تبحث المؤسسة في “تنمية الاعتزاز بثوابت الأمة العربية وتعزيز تضامنها، وتكوين هويتها في ميادين الفكر والثقافة والتنمية البشرية، تركيزاً على أهمية الانفتاح على الثقافات الأخرى” (كما ورد في كلمة أمينها العام سليمان عبد المنعم)، وقبل نشر “اعتزاز” العرب بثوابت أمّتهم (وهذا حقُّهم الطبيعي)، يجدر بنا أن نلتفت الى الواقع المرّ الذي تعكسه أرقام وإحصاءات صافعة تتطلب الهرع الى إنقاذ البيت من الحريق قبل أن نتداول في أفضل لونٍ لطلاء الجدران أو في الاعتزاز بشرفاته المزهرة.
من هذه الإحصاءات الصافعة (كما صدر بعضٌ منها عن “مؤتمر المعرفة الأول” في دُبَيّ قبل أسبوعين) أنّ “رُبع العرب أُمِّيُّون”، وأنّ “عدد الأمِّيِّين الأبجديين – قراءةً وكتابةً – في الوطن العربي، ولدى الفئة العمرية (15 عاماً فأكثر)، بلغ 71 مليوناً”، وأنّ “الموازنات المخصصة للتعليم فقيرة، وبرامج التعليم ضعيفة، ومستويات التعليم منخفضة، ونسبة النساء الأُمّيّات مرتفعة، ووضْع الجامعات في العالم العربي متأخِّر عما في جامعات العالم بما فيها جامعات دول العالم الثالث”، وأنّ “معدَّل الإنفاق والاستثمارات في البحوث والتطوير في العالم العربي معدَّل مَحدود جداً ويقترب من الصفر نسبة الى الناتج القومي، ما جعل مستوى الإنتاج الفكري والعلمي المترجم من العربية وإليها بين أدنى المستويات في العالم بما يستتبع ذلك من خلل في مستوى المعرفة لدى الأجيال الجديدة”.
وكان “التقرير الأول للتنمية البشرية في العالم العربي” (صدر عام 2002) أشار الى “نواقصَ مؤذيةٍ ثلاثةٍ في العالم العربي: النقص في المعرفة، والنقص في تَمكين المرأة، والنقص في الحريات”.
أمام هذه الواقع الموجع بوقائعه أرقاماً وحقائق وظواهر، هل يَجمل التحدُّث عن “اعتزاز” العرب بـ”ثوابت أمّتهم” قبل معالجة “ثوابت” الجهل والتخلُّف والأمية؟ وهل في أفريقيا من يتَحدّث عن “اعتزاز” هذه القارة السمراء، وحكامها عارفون تماماً نسبة الجهل والتخلُّف والأمية العالية في صفوف أبنائها الذين لدى قسم منهم كبير حلم أن يرتفعوا حتى يبلغوا خط الفقر؟
طبعاً هذا لا ينفي “اعتزاز” العرب بإنْجازات مبدعيهم، على أراضي أوطانهم أو في بلدان العالم الأُخرى حيث هم، غير أنّ الإلحاح في استدراك الجهل المتزايد استفحالُهُ في صفوف الشعب العربي هو الذي يفترض “تَجنيد” أولئك الـ”10 آلاف عالِم عربي” (ذكر رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا أنها أصبحت تَضمّهم) ليظلُّوا يعملون على ما قاله رئيس المؤسسة “تعزيزَ الاستثمار التكنولوجي” إنما ليركِّزوا معه على تعزيز الاستثمار البشري في مشرق عربي ومغرب عربي إن لم يتدارك المتنوِّرون انتشالهما من الجهل والأُمّيّة، فعبثاً يأتمر المؤتمرون وينتدي المنتدون، وعبثاً تعمل “مؤسسة الفكر العربي” (مشكورةً) على إعداد “مشروع التقرير العربي للتنمية الثقافية” في منطقة تفتقر أساساً الى أبسط التنمية البشرية.