هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

317. “دامو”
الثلثاء 14/11/2023

“دامو” بيروت… للُبنان والشرق الأَوسط

14-11-2023 | 19:21 المصدر: بيروت- النهار العربي
هنري زغيب
افتتاح "دامو": فنانون حول تمثال فخر الدين لحليم الحاج (أَقصى اليمين) وإِلى يمينه: سمير أَبي راشد، منيرة وجيه نحله،  مهى بيرقدار الخال، باسمة باطولي، جان خليفة، وجيه نحله، جوزف مطر، سليمى ذود.

افتتاح “دامو”: فنانون حول تمثال فخر الدين لحليم الحاج (أَقصى اليمين) وإِلى يمينه: سمير أَبي راشد، منيرة وجيه نحله، مهى بيرقدار الخال، باسمة باطولي، جان خليفة، وجيه نحله، جوزف مطر، سليمى ذود.

 

فيما لبنان النصف الآخر من السبعينات غارقٌ بين متاهات الحرب القاضمةِ الآمالَ والمستقبل، ظهرت في بيروت الكبرى مؤَسسة جريئة غامر بها رجل جريْء مؤْمن بالمقاومة الثقافية. المؤَسسة: غالري “دامو” Décorateurs et Artistes du Moyen Orient))، والمغامر: ابن طرابلس الشابّ الطَموح ابرهيم زود. وفي مطلٍّ هادئ على بحر أنطلياس، راحت “دامو” تنشط معرضًا بعد معرض، ونشاطًا ثقافيًّا بعد آخَر، حتى غدت مركزًا ثقافيًّا يستقطب أَهل الرسم والنحت والمسرح والصحافة والأَدب وكلَّ ما كان ينبض فترتئذٍ في لبنان.

 

الحالم الطرابلسي المسكون بالثقافة

عرفتُ ابرهيم ذود في مطلع 1970 حين أَصدر مجلته الشهرية “الساخر”، أَرادها نسخة لبنانية من “الكانار آنشينيه” (Canard enchaîné) في باريس. وهي كانت فعلًا كذلك، تناولت مواضيعها بسُخرية لافتة قلّما كانت مأْلوفة يومها في الصحافة اللبنانية (مثلما كانت “الدبور”). وكنتُ في أَول عهدي بالكتابة دون النشْر، فكانت “الساخر” أَول منبر صحافي لي، عددًا بعد عدد، قبل أَن أَستقرَّ لاحقًا (1973) في “النهار” وما زلتُ فيها منذ نصف قرنٍ حتى اليوم.

لم يكتفِ ابرهيم ذود بذلك، كان طموحُه الطرابلسي يدفعه إِلى الانضمام أَبعدَ في ورشة الثقافة. وبعد احتجاب “الساخر” راح يبحث عن عمل عامٍّ يُفيد لبنان المثقفين، ولو عبْر مهنته الأَساسية في تصميم الديكور والهندسة الداخلية.

تحضير “دامو”

بعد سنواتٍ مدقِّقة من الدراسة التقنية والفنية، قرَّر سنة 1977 أَن يُنشئَ مؤسسة تُعنى بالفن التشكيلي، فكانت “دامو”. جهّز لها طابقًا كاملًا في أنطلياس، تاركًا لزوجته الرسامة سُليمى ذود أَمر الشؤُون الفنية وللسيدة جاكلين زغيب أَمر الشؤُون الإِدارية واللوجستية.

ولكنْ… فيما كان يتهيَّأُ للإِعلان عن إِطلاقها افتتاحًا ونشاطًا كولادة غالري فنية بعد إِقفال صالات المعارض التشكيلية في العاصمة بسبب الوضع الأَمني، اتصل به الأَب مارون عطالله طالبًا منه التعاون لتنظيم معرض للفن اللبناني في روما توازيًا مع تطويب القديس شربل في الفاتيكان.

والأب عطالله ذو همّة ثقافية بدأَ تفعيلها منذ 1964 في نادي الشراع (أنطلياس) جامعًا شبابًا من تيارات مختلفة للتلاقي والتحاور. لكنَّ النادي توقَّف مع الوضع الأَمني سنة 1975 فأَكمل الأَب عطالله في حركته بما سماها يومئذٍ (1978) “الحركة الثقافية -أنطلياس، وهي التي لا تزال ناشطةً باطّرادٍ حتى اليوم.

لوحات جبران في معرض روما

تطويب شربل في روما: معرض لبناني…

وافق ابرهيم ذود على ذاك التعاون لتنظيم معرض الفن اللبناني في روما، وتشكَّلت لجنة متابعة من يوسف الخال (الذي كان أَقفل “غالري وان” ونقل محتوياتها إِلى غالري “دامو” ريثما ينتهي منزله في غزير)، والدكتور صادق طبارة (أُستاذ هندسة العمارة في الأَكاديميا اللبنانية للفنون الجميلة – “أَلبا”)، والأَب يوحنا صادر (الناقد التشكيلي والرسام)، والشاعر جورج غانم (رئيس دائرة الفنون الجميلة في وزارة التربية)، والصحافية في “النهار” مي منسى، والسيدة سامية توتونجي (صاحبة غالري فنية توقفت في الحرب)، والدكتور جوزف زعرور (المدير العام لوزارة التربية).

وكان ابرهيم ذود منسِّق تلك اللجنة، فاتصل بالرسامين جان خليفة وبول غيرغوسيان وسمير أَبي راشد ورفيق شرف ومَن كان لديه لوحات من صليبا الدويهي، واتصل بذوي مصطفى فروخ وعمر الأُنسي وقيصر الجميل. وإِذ ارتات اللجنة أَن تكون في المعرض لوحات من جبران، توجَّه ابرهيم مع الأَب عطالله إِلى متحف جبران في بشري فرفضت لجنة جبران إِخراج لوحات من المتحف. لجأَ الأَب عطالله إِلى الرئيس سليمان فرنجيه فتولَّى الأَمر مع اللجنة التي وافقَت شرط ضمان شركة تـأْمين ومرافقة حافظ المتحف وهيب كيروز، وهكذا كان. تم جمع اللوحات في غالري “دامو” تمهيدًا لشحنها إِلى المطار حيث وصلَت لوحات جبران في مصفحة خاصة بقوى الأَمن الداخلي.

ابرهيم ذود والأَب مارون عطالله في معرض روما أَمام لوحة “شربل” لـجان خليفة

… ومسرحية لبنانية

تزامنًا مع المعرض في روما، كان ريمون جبارة هيَّأَ للمناسبة في روما مسرحيته “شربل”، فبات ابرهيم ذود مجددًا منسِّق الحدث حتى بلغَ عرضُه أَربع أُمسيات في مسرح Teatro sistina، وكانت مسرحية استثنائية وضع موسيقاها وليد غلمية، وصممت كوريغرافياها جورجيت جبارة، وصمم ديكورها أَلفونس فيليبْس وملابسها أُورسولا فيليبْس، وأَدَّى أَدوارها أَنطوان كرباج، منير معاصري، رضا خوري، رفعت طربيه، كميل سلامة، جورج عقل وغيرهم. ورافق الحدَث، المعرض والمسرحية، فريق صحافي من ميّ منسى (“النهار”)، هنري زغيب (“الحوادث”)، سجعان القزي (“العمل”)، رواد طربيه (إِذاعة مونتي كارلو)،دنيز عمون (“ماغازين”).

مي منسى في معرض روما

افتتاح معرض روما

كان افتتاح المعرض مساءَ السبت 8 تشرين الأَول/أُكتوبر 1977 في صالة “متحف الفولكور الروماني” (تابعة لبلدية روما) وصدرَت عنه مقالات نقدية رصينة أَبرزها من الناقد فاليريو مارياني. وزار المعرض أَعلام لبنانيون دوَّنوا إِعجابهم على الكتاب الذهبي الذي ما زال في حوزة ابرهيم ذود، بينهم: الرئيس شارل حلو، الرئيس أَمين الجميل، أَمين البزري، رينيه معوض، بيار دكاش، توفيق عساف، بشير الأَعوَر، فؤَاد نفاع، جوزف سكاف، الشاعر الإِسباني رافاييل أَلبرتي وآخرون كثيرون.

ابرهيم ذود في معرض روما مع الناقد فاليريو مارياني

معارض “دامو” وحركتها الثقافية الممتازة

بعد روما، عادت الأَعمال إِلى بيروت، وعاد التحضير لافتتاح صالات غالري “دامو” فتمَّ ذلك في نهاية تشرين الأَول/أُكتوبر بمعرض جَماعي لمعظم الأَعمال التي عادت من روما، إِلى أَعمال أُخرى من أَنطوان برباري، جوزف مطر، سيسي سرسق، مهى الخال، سليمى ذود، وجيه نحله، ومجسَّم “الأَمير فخر الدين” للنحّات حليم الحاج.

وتتالت بعدها المعارض في “دامو”:

1978: رفيق شرف، مارون الحكيم، سليمى ذود، أَلفونس فيليبس. 1979

1979: أَلفرد بصبوص، مارون الحكيم، أَمين صفير.

1980: سليمى ذود، وجيه نحلة، بيار صادق، مارون الحكيم، مارون طنب، أَمين الباشا.

1981: غوف، إِيلي كنعان.

 1982: حليم جرداق، فرنسواز مولر.

1983: بول واكيم، سليمى ذود.

1986: حليم جرداق، أَلفرد بصبوص، أَمين الباشا.

وبين تلك التواريخ التشكيلية كانت مواعيد ثقافية كثيرة بين أُمسيات شعرية وموسيقية ومسرحية (من هذه الأَخيرة عملُ ممثل واحد قام به ريمون جبارة).

وحين أَصدرتُ سنة 1982 جريدتي الشعرية الشهرية “الأُوديسيه”، وشئْتُ تكونُ لها ندوة شعرية بمثابة “صالون أَدبي” يقرأُ فيه شعراء العدد قصائدهم عند صدور كل عدد، انفتحَت لي صالات “دامو” مستقطبةً كبار شعراء تلك الفترة.

في نهاية 1986، ازداد الوضع تأَزُّمًا، وبات من الصعب تنظيم معارض فنية، فأَقفل ابرهيم ذود زمن “دامو” الذهبي، واكتفى بأَعماله للديكور والهندسة الداخلية، مسجِّلًا اسمه في الحركة الثقافية اللبنانية مغامرًا جريئًا نَفَعَ الثقافة في لبنان بما لم يَقُمْ مثله أَحدٌ فترتئذ من نشاط ثقافي.

واليوم، لا يمكن البحث عن تلك الحقبة من الحركة الثقافية في لبنان، من دون المرور بذاكرة ابرهيم ذود وأَرشيف “دامو” وحضورها الثقافي الساطع.