6 تشرين الثاني 2007 العدد 12368 السنة 36
بقدْرِما كانت سخيَّةَ العطاء نبيلةَ الأداء بادرةُ حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بإنشائه “مؤسسة بوقفية تبلغ عشرة مليارات دولار لتنمية المعرفة في العالَمَين العربي والإسلامي”، جاءت شديدةَ الواقعية قاسيةَ الاستنتاجية انطباعةُ رئيسة المجلس الاستشاري لـ”صندوق الأمم المتحدة لدعم الديموقراطية” والمديرة السابقة لمكتب الدول العربية الإقليمي في الأمم المتحدة الدكتورة ريما خلف بأنْ “لا مصلحة لأيّ حاكم من العالم العربي في تعزيز مكافحة الأُمّية” (حديثُها الى جريدة “النهار” اللبنانية عند اختتام “مؤتمر المعرفة الأول” الأسبوع الماضي في دبي، بدعوة من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، وبحضور الشيخ محمد والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وكبار المختصين ذوي الصلة).
وحين كنتُ في هذه الزاوية بالذات (“قبس من لبنان” 23: “كيف نمحو هذه الأُمّية العربية؟”، و”قبس من لبنان” 26: “محو الأمية أم نحو الأمية؟”) كتبتُ عن ظاهرة الأُمية العربية ومسؤولية الحكَّام العرب عنها، ما كنتُ أرمي تحديداً إلاّ الى هذه الظاهرة بالذات صفعَت بها ريما خلف قبل أيام هذا الواقع السلطوي العربي الحاكم، تأكيداً منها على أن الحاكم العربي (عدا استثاءات قليلة جداً، منها بادرة حاكم دبي الأخيرة) لا يتحمّس كثيراً لنشر المعرفة والثقافة بين صفوف الشعب في بلاده.
وإذا كان في نية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم (عبر بادرته وتخصيصه عشرة مليارات دولار لنشر المعرفة والثقافة في العالم العربي) إصدار “تقرير المعرفة العربي” سنوياً و”برنامج تحسين جودة التعليم الجامعي”، وإطلاق “شبكة الأبحاث العربية” و”شبكة معلمي المدارس” و”شبكة تدريب طلاب الجامعات”، و”برنامج تعزيز قدرات الطلاّب المتفوقين على تطوير قدراتهم”، و”تمكين النساء من حصولهنّ على برامج دراسات عليا إلكترونياً من المنْزل”، فإنّ أهمّ ما في نيته: “دعم المبدعين للتفرّغ الى الإبداع ونشر أعمالهم وتوزيعها على مستوى العالم العربي”. فالطالب يغنم لوحده وينتهي، أما المبدع فينشر إبداعه الى الأبد اسم صاحب البادرة.
غير أن لفتة الشيخ محمد النبيلة تجاه المبدعين أخشى عليها من أن تصطدم بـ”التابو” المنتشر كالطاعون، كالسرطان، كالكوليرا، في صفوف الشعب العربي على وسع العالم العربي، خصوصاً على مستوى التفكير والتعبير، والصحافة والتغيير، والديمقراطية والتقرير. ففي معظم هذا العالم العربي التاعس: الصحافة ليست صحافة الشعب بل صحافة الحاكم، والتعبير ليس حراً إلاّ بمقدار ما يمدح الحاكم، والمرأة لا حقوق لها إلاّ ما كان ضمن جدران بل أسوار مملكة الرجل وداخل جلباب التسلّط الذكوري الجاهل، والمبدعون ليسوا من المحظيّين إلاّ بمقدار ما هم مقرّبون من حاشية الحاكم، وتالياً: الحرية ليست من المسموحات إلاّ بمقدار ما تفيد سلطة الحاكم، وإلاّ فالسجون والملاحقات والمخابرات والمحاكمات لأن الحرية تنتهي حيث تبدأ مواجهة الحاكم بالحقيقة.
من هنا ما أضافته ريما خلف في حديثها الى “النهار” بأن جزءاً أساسياً من إنتاج المعرفة “يتعلّق بالديمقراطية والحكم الصالح وتعزيز حقوق الإنسان، لكن هذه جميعها مقيّدة حالياً بخطوط سياسية حمراء في مجالات كالإنسانيات والعلوم الاجتماعية”.
ومعها حق. كم معها حق! ومن اليوم حتى تزول هذه الخطوط الحمراء، نتمنى لبادرة حاكم دبي أن تنجح في إزالة أسوار الأمية والجهل والتسلّط، وأن يَهتم بتنفيذها جديرون (مهنياً لا وظيفياً) بأن يؤسسوا هيكليات احترافية في مواقع لائقة ليس أقلَّها مركزٌ رصينٌ في حَرَم جامعي رصين يَحتضن فسحاتٍ لأعمالٍ إبداعية هي وحدها التي (الى جانب الاسم الذي يحمله المركز وفاءً لصاحب البادرة) تُخلّد صاحب البادرة الى قرون تُبقي اسمه في التاريخ من جيل الى جيل.