لوليتا… لوليتا… عروس الحب الممنوع (2 من 3)
فلاديمير يلقي، فيما فيرا تطبع على الآلة الكاتبة
الضجة التي أَحدثها صُدُورُ رواية “لوليتا” سنة 1955 ستعود من جديد مع هذا الخريف المقبل (تشرين الأول/أكتوبر 2023) حين ستصدر في باريس وبالفرنسية “يوميات” فيرا يـيـفْـسـيــيــڤــنا نابوكوڤ (5 كانون الثاني/يناير 1902-7 نيسان/أَبريل 1991) زوجة الروائي الشهير ڤلاديمير نابوكوڤ (22 نيسان/أَبريل 1899- 2 تموز/يوليو 1977).
ماذا في هذه “اليوميات”، وفي صفحاتها أَضواء غير معروفة على رواية “لوليتا”. ولِـمَ كل تلك الضجة عند صدور رواية “لوليتا”؟
حماسة ناشر “اليوميات” الفرنسي
في بيان أَدبي أَصدرَتْه دار النشر الفرنسية (L’Herne) جاء: “هذه اليوميات، غير المعروفة بعد، تكشف الظروف التي رافقَت نابوكوف في أَثناء كتابتها ولدى صدورها، وتشهد على دور فيرا في سيرته ومسيرته الأَدبية وكل في صمتٍ وانسحاب. ففلاديمير وفيرا كانا ثنائيًّا سعيدًا منذ التفاصيل اليومية الصغيرة إِلى أَكبر التفاصيل الأَدبية. وتعكس “اليوميات” التزامَ فيرا اليومي بمرافقة زوجها، ونصائحها السديدة، وكذلك روح الطرافة في كتابتها”.
وفي البيان ذاته حول “اليوميات” ورَدَ أَن نابوكوف وزوجته، قبل أَشهُر من صدور الرواية، كانا يحدسان أَنها ستشكِّل منعطفًا كبيرًا في مسيرة نابوكوف الأَدبية، لذا أَخذَت فيرا تكتب يوميات بقيت تدوِّنها حتى 1960.
فيرا وفلاديمير يُنَزِّهان ولدهما ديمتري
لُـمَـحٌ من “اليوميات”
جاء في “اليوميات” وصفٌ عن نجاح الرواية فور صدورها، وعن إِقبال الصحافيين على طلب أَحاديثَ مع الكاتب، وطلبات الناشرين الأَجانب لـترجمتها، واتصالات من ستُوديُوَات هوليوود لنقل الرواية إِلى السينما، عدا مئات الرسائل إِلى المؤَلِّف من معظم أَنحاء العالَم. وتذكُر فيرا أَن زوجها كان هادئًا، صافي الذهن، لا يكترث لإِلحاح الصحافيين.
وَوَرَدَ أَيضًا أَنْ بعد ثلاثة أَيام من صدور الطبعة الإِنكليزية في نيويورك (1958) بدأَ فلاديمير ينشغل في كتابة رواية جديدة، وفي الاهتمام الدائم بنحو 2000 فراشة جميلة كان يجمعها فلاديمير خلال رحلاتهما المتعدِّدة إِلى رحاب الطبيعة. وذكرت فيرا أَن فلاديمير كان متأَثِّرًا برائدَي الرواية الروسية: فيودور دوستويفسكي (1821-1881) وليو تولستوي (1828-1910).
لِـمَ هذه الضجة؟
ما الذي في رواية “لوليتا” حتى أَحدثَت كل تلك الضجة المتضاربة بين الرفض الصارم والرضا العارم، حتى قيل فيها إِنها أَكثر الروايات نقاشًا وجدَلًا في تاريخ الأَدب العالَمي؟ والأَصح أَيضًا: ما الذي أَوحى لنابوكوف كي يكتب هذه الرواية؟ وكيف تطوَّرَت فكرتُها مع صفحات الكتابة؟ ولِماذا هي اليوم من أَكثر روايات القرن العشرين نجاحًا وانتشارًا؟
هنا بعض الإِضاءات على أَحداثٍ ومؤَلَّفاتٍ ومؤَثِّراتٍ ساهمت في تأْليف الرواية:
استغرق نابوكوف خمس سنوات في نسْج روايته “لوليتا” بالإِنكليزية حتى أَنجزَها في 6 كانون الأَول/ديسمبر 1953، وأَخذَ نصُّها الإِنكليزي طريقه إِلى الناشر الفرنسي “أُولمبيا” سنة 1955 في باريس، وبعده إِلى الناشر الأَميركي في نيويورك سنة 1958.
صيدُ الفراشات هوايته الأَحَب
مصادر التأَثُّر في “لوليتا”
من مصادر أَفكار الرواية ما كتبَه فلاديمير ذاته: “حسْبَما أَذْكُر، أَولُ لحظة إِلهام كانت يومَ قرأْتُ في صحيفةٍ قصةً عن قرد في حديقة النباتات (باريس) أَمضى أَشهُرًا يتدرَّب على الرسم بالطبشور في رفقة عالِمٍ، حتى نجح في وضع أَول رسم يرسمه حيوان، صوَّر فيه قضبان القفص الذي يسجن القرد المسكين.
تأْثيرات أُخرى
في مكانٍ آخر نكتشف أَن نابوكوف كان عميقَ التأَثُّر بالموسيقى، خصوصًا مقطوعات الباليه الروسية الكلاسيكية والمعزوفات الأُوروبية. من ذلك مثلًا ما كتَبَتْه أُستاذة الأَدب الأَميركي والكتابة الإِبداعية إِليزابيت سْنِيوِي: “فعلًا، لشخصية لُوليتا ملامح واضحة للعقدة والشخصيات والمشاهد والكوريغرافيا في قصة “الجميلة النائمة في الغابة” لشارل بيرو (باريس 1697).
ومن الـتأْثيرات كذلك في شخصية همبرت همبرت (بطلُ الرواية الخمسوني الذي ارتبط بالعلاقة العاطفية مع الصبية المراهقة “لوليتا” واسمها الكامل: دولوريس هيز) أَنه يجد ذاته كأَنه في جزيرة طَروب، وتتراءى له خيالات عاطفية “جريئة” تجاه الصبية.
من هنا يروح ينسج في باله رومنسياتٍ حالِمة على صورة شخصية “آنابيل لي” في قصيدة الشاعر الأَميركي إِدغار آلن بو، وكان نابوكوف متأَثِّرًا به.
ما الذي حدَثَ حين صدرت “لوليتا”؟
كيف اندلعَت شهرتُها؟
من مَنَعَها؟ ومَن عاد فَنَشَرَها؟
كيف خرجَت “لوليتا” من الكتاب إِلى المسرح والشاشات؟
هذا ما أُفَصِّلُهُ في الجزء الثالث من هذه الثلاثية.