9 تشرين الأول 2007 العدد 12342 السنة 36
منذ ثُلث قرن وهو ساحة للآخرين. لم يستطع الآخرون أن يزالوا التآمر في بلدانهم، فتسلَّلوا الى أرضنا يجتمعون ويخطّطون ويتآمرون ويَكيدون، رافعين العذاب عن شعبهم وأرضهم ووطنهم، أو عاجزين عن التحرُّك بين شعبهم وعلى أرضهم وفي وطنهم.
كان سُور وطني واطئاً فاستوطأُوه أكثر، وقفزوا فوقه أو أطاحوه أو تآمروا مع يوضاسييه في الداخل سهّلوا لهم الدخول. وحين أمسوا في الداخل سهُل عليهم تنفيذ مآربهم وخططهم. وكان في أبناء لبنان ضعيفو نفوس وضمائر انتهازيون وصوليون حرباويون ركبوا الموجة ودخلوا في المؤامرة واستسلموا للإغراءات (مالية أو وزارية أو نيابية أو رئاسية أو سلطوية أو زعاماتية) واستزلَموا لقياصرة الخيانة والعمالة والنذالة وكان لهم دور حقير في تهديم وطنهم والتسبُّب بتشريد شعبهم وموته الفردي والجماعي.
وكانت شوارع بيروت من ضحايا هؤلاء الخونة المحليين الأذناب الأذيال الأتباع العملاء المأجورين فاستخدموا عاصمتهم للتظاهرات والمظاهرات واليافطات والبيانات والتصريحات ومواقف تخدم الخارج وأسيادهم في الخارج، ولا تتَّصل بلبنان ولا بشعب لبنان، بل تُضر بمصلحة لبنان وشعب لبنان ومستقبل لبنان الديمغرافي والسياسي والأمني والسياحي والاقتصادي والثقافي.
منذ ثلث قرن ولبنان معذَّبٌ بالمتواطئين في الخارج ومتواطئين معهم من الداخل، فينتقل من حرب الى حرب، ومن خضّة سياسية الى خضّة أمنية، ومن اغتيال رئيس جمهورية الى اغتيال رئيس وزراء، ومن اغتيال وزير الى اغتيال نائب، ومن مواقف حزبية منفردة تورث كارثة جماعية مُدمّرة الى هزّات أمنية تورث جموداً في السياحة وتراجُعاً في الاقتصاد وسقوطاً في دوائر يأس يخرج منها أبناء لبنان لا الى الأمل بل الى أقرب سفارة تمنحهم تأشيرة دخول الى بلادها.
مع هذا، مع كل هذا، يبقى الطقم السياسي هو هو، منذ ما يزيد عن نصف قرن، يتوارث السياسة والرئاسة والسلطة والحكم والقيادة وسوق الناس بمنطق المزرعة والعشيرة والقبيلة كأن الشعب قطعان أغنام يسوسونها حيثما وكيفما وحيثما يرغبون.
ولكن، بعد ثلث قرن من العذاب، بلغ لبنان اليوم خطر الغرق الداهم في لجة المجهول، بسبب تجاذب الحكام والسياسيين وتسديدهم فواتير لأسيادهم في الخارج، وحان للشعب أن يقول “لا” لأولئك الذين ورثوا السلطة فأورثوا لبنان كوارث ونكبات، وساسوا لبنان الى الانهيار. وبعدما نزف لبنان من شرايينه دماً شبابياً كثيراً (وهذا جزء من مؤامرة ذئاب الخارج شارك فيها، جهلاً أو تغاضياً أو وعياً، قطيع من ذئاب الداخل) جاء اليوم زمنٌ بات موسوماً بغضب، أقلّ ما يُضمره: أن يقلب الطاولة على رؤوس الجالسين إليها، ويقلب الكراسي بجميع الجالسين عليها، ويقلب الأحلام المسمومة المشبوهة السلطوية على جميع الساعين إليها.
هذا اللبنان الذي ورثناه عن آبائنا الطيبين وأجدادنا المباركين، لن نفرِّط به ليصبح جثة على بلاط قصور السياسيين. فليخرجوا هم، لا شبابُنا مهاجرين يائسين، وسنبقى نحن، نحن أهل البيت غير الطارئين. كيف؟ بأقلامنا. بأصواتنا. برفضنا (في صندوقة الاقتراع يوم الانتخابات) هذا الطقم الذي فرضه علينا احتلال أو وصي أو ظرف، وبإيصالنا الى الحكم مَن هُم مِن خارج الطقم الوارث الموروث. فرُبّ قلم يطلق صرخته في ضمائر الشعب أفعل من بندقية في يد مأجور أو خائن أو عميل.
بهذا، بقلم كهذا القلم اللبناني النابض بلبنان اللبناني، نبني وطناً تحترمه الدول ولا يعود عالّة على الدول (المانحة أو الواهبة أو المجْزلة أو المشفقة أو المنعمة عليه)، ولا يعود عندها ضعيفاً بين الدول، مستجدياً هِبَات الدول، ولا، أكيداً لا، عذاباً في دولته ومعذَّباً على ضمائر الدول.