صدى الأَنهار بريشاتهم (2 من 2)
رنوار: “بحيرة الضفادع”
ذكرت في الجزء الأول من هذا المقال أَنَّ الرسامين كثيرًا ما وعوا أَهمية الأَنهار في حياة السكان، فرسموا النهر بعلاقته مع الناس في مختلف الأَحوال، وَفْق حالات خاصة مباشرة من الواقع أَو من صفحات التاريخ.
في الجزء الأَول من هذا المقال عرضْتُ لخمسة رسامين عالجوا الأَنهار في لوحاتهم. وهنا في هذا الجزء الثاني تتمةُ خمسة رسامين آخرين.
6. الفرنسي أُوغست رنوار: بحيرة الضفادع
يعتبر أُوغست رنوار (1841-1919) من أَبرز رواد التيار التشكيلي الانطباعي، ساهم في تطويره عميقًا في منتصف القرن التاسع عشر. من هنا أَن لوحاته موجودةٌ في معظم الكتب التي تعالج الفن التشكيلي في العالم.
لوحته “بحيرة الضفادع” (1869) هي من أَشهر أعماله والأَكثر طلبًا لعرضها في المتاحف والمعارض العالمية (موجودةٌ حاليًّا لدى المتحف الوطني في ستوكهولْم). رسَم فيها مشهدًا من نهر السين الذي دخل في معظم لوحات الرسامين الفرنسيين، وفيه مجموعة من المواطنين في بقعة جزيريَّة صغيرة وسط نهر السين، فيها شجرة وحيدة، تصلُها بالبر أَلواح خشبية ضيقة. وتتميز اللوحة بضربات ريشة رنوار البارعة التي اشتُهر بها في تمايزه الانطباعي المعروف، لذا يَعتبرها النقاد ومؤَرخو الفن التشكيلي إِحدى أَقدم اللوحات التي باتت نموذجًا ممثِّلًا هذا التيارَ الفني.
7. الفرنسي هنري ماتيس: مستحمَّات في النهر
في أَواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، يعتبر هنري ماتيس (1869-1954) سيدًا في تنفيذ أَعماله الفنية بأَكثر من واسطة وطريقة تشكيلية، بما فيها الانطباعية والتوحشية. واشتُهر ببراعة استخدامه الأَلوان وتركيب اللوحة في ملامح غير مأْلوفة لدى سائر رسامي عصره. وهو أَنتجَ عددًا كبيرًا من اللوحات في موضوع واحد دار حول المستحمين والمستحمَّات في الماء أَو قرب الماء، وأَبدع في إِخراج الأَجساد البشرية في دقة عجيبة. وأَحد أَشهر أَعماله في هذا السياق لوحتُه “المستحمَّات في النهر” (1917) وفيها أَربع نساء عُراة في شكل رمزي، يراها نقاد الفن مثالًا للتيار التوحُّشي المعروف بتركيزه على الأَلوان أَكثر مما على الأَشكال التي يُبرزها الفنان بخطوطها العريضة.
ماتيس: “مستحمَّات في النهر”
8. الأَميركي توماس كول: شلَّالا كاترسْكِلّ
لوحة أُخرى من توماس كُول (1801-1848) الذي اشتهر بلوحاته عن الأَنهار. وهنا لوحتُه “شلَّالا كاترسْكِلّ” المتحدرة من جبال كاتسْكل جنوبي شرقي ولاية نيويورك. وغالبًا ما كان كول يرسم لوحاتٍ من الطبيعة مباشرةً كما هي بدقةٍ خاصة في أُسلوبه المميَّز. وفي لوحته هذه يظهر شلَّالان ينهمران الواحد فوق الآخر. وهي من أَعمال كول المبكِّرة في حياته الفنية، وعوضَ المنظر العادي من أَسفل الشلَّال رسَمه كول من قلب الشلَّال. وبعد هذه اللوحة بات المكانُ وجهة سياحية مقصودة، وهو جزء من سْبروس كْريْكْ السلسلة التي تمتد عبر معظم جبال كاتسْكِل.
كول: “شلَّالا كاترسْكِلّ”
9. الأَميركي آشِر براون دوران: روحان توأَمان
وهذا رسامٌ آخر (1796-1886) من “تيار نهر هدسون” اشتهر ببراعته في تصوير المناظر الواسعة المدى بدقة نقْله طبيعيًّا أَكثر ما يكون. وهو أَبرز زملائه إِنتاجًا في ذاك التيار. ولوحته “روحان توأَمان” (1849) من أَشهر أَعماله. ويرى النقاد أَنه يستذكر فيها اثنَين من أَصدقائه الأميركيين: الرسام توماس كُول والشاعر وليم برايِنْت (1794-1878). ولدى إِنجاز هذه اللوحة كان كول توفي قبل عامٍ بداء الرئة. ويظهر الصديقَان واقفَين على صخرة عالية فوق جدول صغير يجري في أَسفل اللوحة.
دوران: “روحان توأَمان”
10. الأَلماني سلمون فان روسْدَايْل: قارب في نهر
هو الأَقل شهرة (1602-1670) بين معاصريه في القرن السابع عشر، مع أَنه كان رسام مناظر مبدعًا. وكان جزءًا من حقبة سمَّاها النقاد “العصر الأَلماني الذهبي”، ومعظم لوحاته في سياق الأُسلُوب الباروكي الْكان سائدًا عصرئذٍ في كل أُوروبا.
ولوحته هذه (1649) رسم فيها منظرًا جميلًا في نهر الراين (أَحد أَبرز الأَنهار في أُوروبا، طوله 1233 كلم وهو مشترك بين فرنسا وأَلمانيا وسويسرا). وفي خلفية اللوحة قصرٌ يرى مؤَرخو الفن أَنه من خيال الرسام لأن تلك المنطقة لم تكن فيها قصورٌ زمن وضْع اللوحة.