الحصانُ العربي بريشاتهم الغربيَّة (2 من 2)
لاندسير: “الفرس ومهرها”
مرَّ في الجزء الأَول من هذا المقال أَنْ كانت للحصان العربي مكانةٌ مميزة في الحضارة العربية، شعرًا ومزاولةً ولوحاتٍ فنيةً ذاتَ رموز وإِسقاطات، حتى لكأَنه بين أَكثر المواضيع تَدَاوُلًا في الأَدب والفن العربيَّيْن.
وكتبتُ عن رسامَين فرنسيَّين (دولاكروَى وفرومانتان) عالَجا موضوع الحصان في أَعمالهما، فخصَّاه بعدد من لوحاتهما جعلته نابضًا فيها حتى اليوم.
هنا، في هذا الجزء الثاني الأَخير، لمحةٌ أُخرى عن 6 رسامين آخرين عالجا الحصان في أَعمالهم.
إِدوين لاندسير: هدوء الحصان العربي
اشتهر الإِنكليزي إِدوين لاندسير (1802-1873) بوضعه عددًا كبيرًا من اللوحات لعصافيرَ وكلابٍ وأُسُود حتى كان رسام الحيوانات الأَشهر في الفترة الفيكتورية (1820-1914). ومع أَنه اشتهر رسامًا، فساحة “ترافالغار” في قلب لندن تَغْنى بأَربعة تماثيل كبرى لأُسُودٍ من صنع لاندسير. طبعًا هو لم يشتهر بأَنه تحديدًا فنان استشراقي، لكنه مع ذلك برعَ في إِطلاع تفاصيل دقيقةٍ كان يتأَنَّى لها في لوحاته عن الحصان العربي. من هنا أَخذَت أَعماله الدقيقة هذه مكانها إِلى جانب لوحات رامبرانت وتيتيان وفيلاسكيز. ونظرة مدققة إِلى لوحته “الفرس ومهرها” تُظهر التفاصيل المذهلة لملامح الحصان العربي بهدوء مغاير عن لوحات رسامي تلك الحقبة من القرن التاسع عشر، إِذ كان الرسامون يعملون على كلاب مع الأَحصنة، وعلى رسم المعارك والدماء والتوتر في المشهد، مما كانوا يظنونه مطابقًا رسم السلالات العربية من الأَحصنة.
جيروم: تفاصيل الحصان العربي
كان الفرنسي جان لِيُون جيروم (1824-1904) من أَبرز رسامي عصره في “الاستشراق الفني” إِبان منتصف القرن التاسع عشر، واشتهر بــ”حنان” خاص في رسم الحصان العربي، خصوصًا في التركيز على أَصغر التفاصيل. وعملَ كثيرًا على مشاهد من الحياة المدينية والحياة المترفة كما في بلاط الملوك وكما عاينَها خلال رحلاته، وأَضاف عليها لمساتٍ كثيرةً من خياله. وهو أَمضى في العالم العربي وقتًا كافيًا لتغذية مخيِّلته الإِبداعية، ولاستطلاع العلاقة الوثقى بين الحصان وفارسه، والأَزياء الأَصيلة في عالَم الفروسية. حتى أَنه، في إِحدى لوحاته، رسَم فارسًا عربيًّا يشتري لجامًا وأَغراضًا تختص بركائب الحصان.
جيروم: “فارس إلى حصانه الميت”
واشنطن: معارك بدون دماء
لم تكن حياة الصحراء بعيدة عن أَفكار الفنانين المستشرقين. من هنا اهتم بها الرسام الفرنسي جورج واشنطن (1827-1910)، وهو اسم مستعار لرسام وُلد بصورة غير شرعية فأُعطِيَ اسم جورج واشنطن أَول رئيس على الولايات المتحدة. وكان أَحد أَبرز الرسامين الذين، إِبان رحلاتهم، فضَّلوا الانصراف إِلى حياة الصحراء عوض الرخاء في المدينة. وغالبًا ما هو اختار رسم الصقور كما عاين صيدَها في الأَراضي العربية التي زارها. ومع أَنه غالبًا ما رسم لوحات الصيد والحروب، بقيَت لوحاته بدون منظر الدم. ومعظم لوحاته، خصوصًا عن مواسم صيد الصقور، نقلَت مشاهد من الحياة الجزائرية المترفة.
واشنطن: “صيد الصُقُور”
شراير: الحصان العربي المؤَصَّل
صحيح أَن لوحات الصيد (صيد الصقور إِجمالًا) كانت ممهِّدَة للوحاتٍ أُخرى عن الحرب، لكنها للغربيين في القرن التاسع عشر، خصوصًا في مرحلة ما قبل الثورة الصناعية، كانت مرحلة نوستالجية ذات نكهة خاصة ورموز مُوحيَة. من هنا أَن الرسام الأَلماني أَدولف شراير (1828-1899) أَمضى ردحًا من سنواته في الحياة العسكرية، ورسم في لوحاته أَحصنة بقيَت في مخيلته من رحلاته إِلى شمال أَفريقيا والشرق الأَدنى، وهي التي مولها بعضُ أُسر النبلاء (فاندِرْبِلْت، روكفلِر، وسواهم). وما ورد من طراوة في لمسات ريشته لم يخفِّف من زخم اللحظة التي يرسمها، خصوصًا في رسمه الحصان وفارسه. فالحرب مقياس دينامية الحصان، وهي التي تحدد الأَولوية بين القبائل العربية المشاركة في القتال.
كولمان: الأَزياء للفرسان والأَحصنة
الرسام الإِيطالي فرنشسكو كولمان (1851-1918) لم يغادر إِيطاليا، إِنما كان لديه حسٌّ رهيفٌ بنقل التفاصيل في لوحاته عن الحياة العربية. وكان شَغوفًا برسم الأَحصنة والأَزياء العربية كما معظم رسامي الاستشراق الفني الإِيطاليين. من هنا حرصَ في لوحاته، حتى تلك التي عن المعارك، على إِبراز أَزياء الفرسان كما ركائب (أَزياء) الأَحصنة. ولم يُظهر على ملامح الأَحصنة أَيَّ ذُعر أَو غضب أَو انتقام في لحظة احتدام المعركة. ومع ذلك كان المشهد العام في لوحاته يبدو مجلجلًا بالعظَمة في الخطوط والأَلوان.
ويكْسْ: الحياة العربية اليومية
مع أَن اسم إِدوين لورد ويكْسْ (1849-1903) ذو طابع أَرستقراطي بريطاني، إِلَّا أَنه أَميركي من بوسطن عاش في باريس. بعدما درس على جان لِيُون جيروم، قام برحلات عربية عدة، كما معظم معاصريه الفنانين المستشرقين. من هنا يبدو الحصان في لوحاته مشغولًا بحرفية عالية أَكثر مما لدى المستشرقين، وزاد على بعضها جِمالًا وفِيَلَة. على أَن فرادته بقيَت في جعله الحصانَ أَحيانًا زخرفاتٍ صغيرةً من الحياة اليومية. والحصان في لوحاته مُشرقٌ ناشطٌ مُشعٌّ، لذا أَعطاه منحًى أَقرب ما يكون إِلى الحياة الصحراوية العربية الحقيقية.
ويكس: “على مدخل السُوق المغربي”