تينُوس الميثولوجيا: حكايةُ الرُخام والإِزميل (3 من 3)
تمثال “السفينة” من روائع النحت في الرُخام
في الجزءَين السابقَين من هذه الثلاثية، سردتُ نبذة عن جزيرة تينوس Tinos اليونانية التي اشتُهِرت ببعض الأَساطير وخُصوصًا برخامها الأَبيض الجميل الذي تناولَتْه أَزاميل النحاتين مُطْلِعَةً منه أَجمل المنحوتات والتماثيل قديمًا في تاريخ هذا الفن. وعرضْتُ ما في تلك الجزيرة من أَعلام ومعالِـم أَبدعها النحاتون حفرًا وإبداعًا في الرُخام.
في هذا الجزء الثالث الأَخير، أُنهي البحث عن جزيرة تينوس اليونانية وما فيها من أَعمال ومقالع خرجَت من تينوس صخورًا صلدة لتُمسي أَعمالًا فنية جميلة تزيِّن الشوارع والساحات العامة والأَنحاء المنتثرة في الأَرجاء.
بيتروس ديلّاتولاس: ولد في بيرغوس سنة 1946، وبدأ يتعلم النحت في الرُخام منذ كان في السابعة. درس في مدرسة بيرغوس للفنون الجميلة (تينوس) وتخرَّج منها سنة 1961. عمِلَ في محترف إِيوانيس فيليبوتيس حتى 1966 حين أَنشأَ في قرية سبيتاليا (تينوس) محترفَه الخاص، وورشةَ عملٍ دوريةً يدرس فيها طلابًا جددًا. ومن إِنجازاته ترميمُ مواقعَ كبرى في اليونان بطلب من وزارة الثقافة، وله تماثيل موزعة في جُزُر تينوس وسيروس وميكونوس وسانتوريني. ومنذ تقاعَدَ عن العمَل ناحتًا، ما زال يُرشد النحاتين الجدُد في أُصول فن النحت وتقنياته الخفية.
بيتروس مارمارينوس: ولد كذلك في بيرغوس سنة 1970. ومن المصادفات أَنَّ اسم عائلته يعني “الصخْر” أَو “البنَّاء في الرُخام”. وهو فعلًا ورِثَ حرفة النحت من أَبيه وأَجداده، وبينهم نحاتٌ في الخشَب وآخرُ رسام. لم يحترف من مطالعه النحت في الرُخام حين انتقل إِلى أَثينا، بل بدأَ بدرس الرسم أَولًا. وما إِلَّا لاحقًا حتى انتقل إِلى النحت في الرُخام سنة 1988 ليُكمل إِرث الأُسرة، ذاكرًا أَنه منذ طفولته كان يأْنس إِلى أَصوات الأَزاميل تتناهى إِليه تواليًا من ورَش العمل ومن المحترفات النحتية. بين أَشهر أَعماله: “السفينة” وهي منحوتة لفتَت إِليها النُقاد بين 200 عمل آخر في معرض كبير شهدتْه أَثينا قبل سنوات. على أَثر ذلك، انتشرَت أَعماله، وباتت اليوم مجموعة من منمنماته النحتية الصغيرة في الرُخام معروضةً لدى “متحف الأَطفال” الأَميركي في إِنديانابوليس. ومن براعاته استخدامُه الأَساليب القديمة بالذات لإِطْلاع أَعمال حديثة، متأَثِّــرًا في ذلك بأَعمال نحاتي اليونان القدامى والإِيطالي مايكل انجلو وحديثًا الفرنسي رودان.
بيتروس مارمارينوس: حكاية الرُخام والإِزميل
قدامى النحاتين
بعد انتهاء الحروب الفارسية اليونانية بدَت أَثينا كتلةَ خراب. وبدأَ القائد التاريخي بيريكليس (495-429 ق.م.) مهمَّته العبقرية لإِعادة الإِعمار نحو سنة 440 قبل الميلاد. عندئذٍ بدأَ الحفر في جبل بانتيليكوس الرُخامي، ولا تزال آثار الحفر ظاهرةً حتى اليوم في الجهة الجنوبية الغربية من الجبل في أَعلى العاصمة أَثينا.
ومن أشهر النحاتين القدامى: فيدياس (القرن الخامس قبل الميلاد) وهو الذي نحت روائع الباثنون الرُخامية (بين 447 و432 ق.م.)، وبراكسيتيليس (القرن الرابع قبل الميلاد) وهو نحت تماثيل الأتيكا بالرُخام الأبيض من جبل بانتيليكوس.
مقالع الرُخام في تينوس
في إِحصاء صدر أَخيرًا، أَنْ بالرغم من استخدام النحاتين القدامى رخامًا من جزر يونانية عدة (الرُخام الشفَّاف من جزيرة باروس، والرُخام البلوري من جزيرة تاسوس)، لا تزال مقالعُ جزيرة تينوس هي الأَشهر والأَغلى منذ ظهورها قبل 5000 سنة، لِما يتمتَّع به صخرها الرُخامي من نعومة وطراوة لاستخدامه في النحت، وهو الذي منه خرجَت أَشهر التماثيل والأَنصاب في العالَم، أَبرزُها تلك التي داخل معبد أَبولو القديم (القرن السادس قبل الميلاد) في مدينة فولياغميني (ضاحية بحرية على 20 كلم جنوبي أَثينا)، وتمثال سيدة أَثينا (نحو سنة 530 قبل الميلاد)، وجميعُها منحوتة في الرُخام الأَبيض الرائع من جزيرة تينوس، كانت تُعنى به طقوسَ عبادةِ الآلهة وتمجيدَ الجمال وإِدهاشَ الجمهور.
واليوم في جزيرة تينوس، وخصوصًا في قرية بيرغوس، تتناهى إِلى الناظر أَبراجٌ ومعابدُ وأَعتابٌ تَشي بأَن هذا الرُخام بالذات هو هوية الجزيرة، وأَن تينوس خالدة برخامها ونحاتيها البارعين.
قد يدخل التلوين على الرُخام الأَبيض