أَشهر التماثيل في تاريخ النحت (2 من 2)
تمثال الحرية (نيويورك)
في الجزء الأَول من هذا المقال عرضتُ خمسةً هي من أَشهر التماثيل في تاريخ النحت العالمي.
في هذا الجزء الثاني الأَخير أَعرض ستةً أُخرى من تلك التماثيل الخالدة.
طبعًا هي ليست حصرية، فتاريخُ النحت غنيٌّ جدًّا بروائع الإِزميل البارع. لكن المجال لا يتسع للمزيد، وأَترك للقرَّاء المهتمين والمعنيين مواصلة البحث في الكتُب الفنية والموسوعات المتخصِّصة وما أَكثرها في جميع اللغات.
6. فينوس دو ميلو
هو حاليًّا من أَبرز التماثيل في متحف اللوفر (يرقى تاريخه إِلى نحو سنة 130 قبل الميلاد). سيِّدته معروفة أَيضًا باسم “أَفروديت ميلوس” ترجيحًا على اسم أَفروديت إِلهة الحب في الميثولوجيا اليونانية. التمثال رخاميٌّ من متريَين عُلُوًّا، و36 سنتم عرضًا و46 عمقًا، ومنذ إِيجاده هو مبتور الذراعَين. ولأَن معظم التماثيل في العصور القديمة وُجِدَت بدون أَطراف، لم يكن غريبًا أَن يكون بدون ذراعَين هذا التمثال الأَشهر في العصور القديمة. اكتشَفَه مصادفةً تحت تراب أَرضه في جزيرة ميلوس اليونانية (بحر إِيجيه) الفلَّاحُ اليوناني يورغوس كينتْروتاس صباح 8 نيسان/أَبريل سنة 1820، وكان مكسورًا قطعتَين. وطويلًا بعدئذ كان هذا التمثال الشهير موحيًا عددًا من الفنانين، بينهم سلفادور دالي (1904-1989) وهو سنة 1936 نحت تمثاله السوريالي الشهير “فينوس ميلو ذات الأَدراج”.
7. تمثال داود – دوناتِلُّو: قبل مئة سنة من نحت مايكِلَنْجِلو (1475-1564) تمثاله الرخامي الشهير “داود” (1504) كان نحات النهضة الإِيطالية دوناتِلُّو (1386-1466) نحَتَ تمثاله البرونزي “داود” (1430)، ووضعه لـ”داود” شاب ذي ملامح غبطة بعد اغتياله العملاق الجبار غولياث (كما جاء النص عنه في الكتاب المقدَّس). من هنا أَن دوناتِلُّو، بذكائه الإِبداعي، جعل مع التمثال رأْس غولياث وسيف داود في يده. وأَثار التمثال فضيحةً في زمانه (مطلع عصر النهضة) لأن داود يبدو فيه عاريًا إِلَّا من جزمته التي يدوس بها غولياث تحت قدمه. واعتُبر موغلًا في واقعيَّته، ويعتبره النقَّاد روعة نحتية بكونه برونزيًّا (في ذاك العصر القديم) وأَول تمثال فرد يجسد العري الذكوري، ما لم يكُن عصرئذٍ مأْلوفًا منذ العصور السحيقة.
8. تمثال داود – مايكِلَنْجِلو: وضعه أَصلًا ليوضع عاليًا عند جبين كاتدرائية فلورنسا (بدأَ بناؤُها سنة 1296 وانتهى سنة 1436). كان مايكِلَنْجِلو فترتئذ شابًّا في السادسة والعشرين حين كُلِّفَ بصُنعه. وبات هذا التمثال لاحقًا أَحد أَشهر التماثيل في تاريخ النحت. بدأَ مايكِلَنْجِلو بنحته في الرُخام سنة 1501 وانتهى العمل به سنة 1504. وهو ضخم جدًّا، يبلغ عُلُوُّه 5 أَمتار و17 سنتم، وكان داود موضوعَ نحتٍ مطلوبًا عصرئذٍ في فلورنسا. نحَتَه هادئًا منتظرًا غريمَهُ بثقةٍ، على كتفه المقلاع الذي به سيقتُل الجبَّار غولياث، واشتهر به مايكِلَنْجِلو في التفاصيل الصغيرة الدقيقة البراعة، بينها بروز العُرُوق في يد داود، والتوازن المذهل في قامته ووِقْفته.
9. تمثال اغتصاب بروزيربينا: صنعه سنة 1621 النحات الإِيطالي الباروكي جون لورينزو بيرنيني (1597-1580) وكان يومها شابًّا في الثالثة والعشرين حين بدأَ ينحته في صخرة كارارا رخامية كبيرة، وبات اليوم من أبرز التماثيل في تاريخ النحت العالمي. استوحاه النحات من أُسطورة يونانية قديمة عن الإِله هادس (معناه “مانح الثروة” وهو في الميثولوجيا اليونانية مَلِك العالم السُفلي أَي عالَم الموتى)، وهادس في التمثال يحتضن بروزيربينا ابنة زوس كبير الآلهة ويود اغتصابها عنوةً. وبرع بيرنيني في تفاصيل نحتية دقيقة، أَبرزُها خلجات الجسدَين ونعومة جلْدهما، ما يجعل هذا التمثال نموذجًا ساطعًا من الفن الباروكي (أُسلوب تيار فني برز في إِيطاليا بين مطالع القرن السابع عشر ومطالع القرن الثامن عشر، وشمل النحت والرسم والموسيقى والرقص والمسرح والأُوبرا والآثار الأَدبية).
10. تمثال الحرية (نيويورك): صمَّمَه النحات الفرنسي فردريك أُوغُست بارتولدي (1834-1904) ونفَّذه سنة 1886 في 46 مترًا علُوًّا المهندس الفرنسي غوستاف إِيفِّل (1832-1923) صاحب البرج الشهير باسمه في قلب باريس. كان هذا التمثال النحاسي هدية الحكومة الفرنسية إِلى الشعب الأَميركي تجسيدًا مفهومَ الحرية في الولايات المتحدة. يمثِّل التمثال وجه الإِلهة الرومانية “ليبرتاس”، تحمل على زندها لوحًا فيه تاريخُ إِعلان استقلال الولايات المتحدة. وقصة التمثال تنطلق من فكرة الشاعر الفرنسي القاضي إِدوار دولابولاي (1811-1883) وهو كان رئيس الجمعية الفرنسية التي حملت لواء مناهضة الرق والاستعباد، فجاء التمثال تكريمًا انتصارَ الوحدة بعد الحرب الأَهلية وإِلغاء العبودية.
11. تمثال المفكِّر: هو من أَبرز أَعمال البرونز للنحات الفرنسي أُوغُست رودان (1840-1917) كان أَساسًا جزءًا أَعلى (بقياس 70 سنتم عُلُوًّا) من منحوتته الضخمة “أَبواب الجحيم” (1889). كان قبلًا سمَّاه “الشاعر” رامزًا به إِلى الشاعر دانته (1265-1321) صاحب “الكوميديا الإِلهية” وهو ينظر من فوق إِلى حلقات الجحيم. وحين كبَّر التمثال الأَساسي الصغير وجعلَه منفصلًا سنة 1904 بعُلُوّ 190 سنتم، أَطلق عليه مدير المسبَك الذي صبَّه اسم “المفكر” لأَنه وجد فيه شبيهًا لتمثال “المفكر” لمايكِلَنْجِلو (1530). ومن يومها اشتُهر التمثال عملًا فنيًّا خالدًا، وضعتْهُ بلدية باريس في ساحة البانتيون قبل أَن ينتقل سنة 1922 إِلى فندق بايرون الذي تحوَّل عامئذٍ إِلى “متحف رودان”.