هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

230. رسالة نعيمة إلى كنوف (2)
الجمعة 13/01/2023

وثيقة جديدة: لماذا اعتذَرَ نعيمه عن ترجمة جبران (2 من 2)

13-01-2023 | 16:40 المصدر: بيروت- النهار العربي
هنري زغيب

نعيمه بريشة جبران بين كتابَيه عنه بالعربية والإِنكليزية

نعيمه بريشة جبران بين كتابَيه عنه بالعربية والإِنكليزية
 

في الجزء الأَول من هذا المقال سردتُ كيف تعرف الناشر الأَميركي أَلفرد كْنوف بجبران ونشَر له “المجنون” (1918) وبعده جميعَ مؤَلفات جبران الإِنكليزية. وكان نشْرُهُ إِياها مُثْمرًا حتى أَنه، بعد وفاة جبران، اتصل بـ”لجنة جبران الوطنية” طالبًا نُصحها في مَن يمكن أَن يترجم مؤَلفاته العربية إِلى الإِنكليزية، فنصحته اللجنة بأَقرب الأَصدقاء إِلى جبران: ميخائيل نعيمه.

في هذه الحلقة ما كان من العلاقة بين نعيمه وكْنوف.

كتاب نعيمه عن جبران 

لجنة جبران: عليكَ بميخائيل نعيمه

تلقَّى أَلفرد كْنوف بارتياحٍ خبرَ أَنَّ في لبنان مَن يترجم مؤَلفات جبران العربية إِلى الإِنكليزية، واعتبر أَنه أَخيرًا وجد الشخص المناسب الذي كان يـبحث عنه. ويبدو أَنه لم يكن يعرف اسْم نعيمه من قبْل (واضحٌ أَنَّ جبران لم يذكُر اسمه أَمام كْنوف) بدليل أَنه كَتَب إِلى رئيس “لجنة جبران الوطنية” في بشرّي حبيب كيروز رسالةً في 15 آذار/مارس 1946 جاء فيها: “تلقَّيتُ باهتمامٍ ما ذكرْتَهُ لنا عن السيد ميخائيل نعيمه، وأُحبُّ أَن أَعرف إِن كان مستعدًّا وقادرًا على ترجمة مؤَلفات جبران العربية إِلى الإِنكليزية، على أَن يرفدَ ترجمته الإِنكليزية بالتعليقات الضرورية في السياق، وبنبذة عن سيرة جبران ومسيرته كما ذكرتَ لنا في رسالتك. فإِن كان قادرًا على ذلك، أَوَدُّ أَن أَطَّلع على نموذج من ترجماته وتعليقاته”.

لم يأْتِ الجواب من كيروز هذه المرة بل من نعيمه مباشرةً برسالة إِلى كْنوف في 27 أَيار/مايو 1946، يعتذر فيها بكل لطْف ودماثة عن ترجمة نصوص جبران العربية إِلى الإنكليزية، ويوضح له عمْق علاقته بجبران، شخصيًّا وأَدبيًّا وفنيًّا، كما يَحكُم بقسوة على ناشري كتبه العربية، وما لحِق بها من تَشويه طباعي وإِخراجي، مع إشارته إِلى رأْيه الصريح في مضمون تلك الكُتب.

ترجمة نعيمه كتاب “النبي”  

رسالة نعيمه إِلى كْنوف

هنا الترجمة الحرفية لرسالة ميخائيل نعيمه إِلى أَلفرد كْنوف:

“السيد العزيز كْنوف

السيد حبيب كيروز، رئيس لجنة جبران، أَطلعني على رسالتكَ التي عبَّرتَ له فيها عن رغبتكَ في أَن أُترجم لمنشوراتكَ كتابًا أَو اثنين من مؤَلفات جبران العربية الأُولى. وتمنَّى عليَّ التواصل معك مباشرةً حول هذا الموضوع.

لعلّ عليَّ أَوَّلًا أَن أَبدأَ بإِطْلاعكَ في إِيجاز على طبيعة علاقتي بجبران. فمنذ 1916 حتى وفاته كنَّا صديقَين لا يفترقان. أَسَّسنا معًا سنة 1920 “الرابطة” – أَي “الرابطة القلمية” – منه رئيسًا ومني مستشارًا، وبدأْنا بمسعى متلازم نحو الفكر والأَدب، وعملنا معًا على ما يمكن اعتباره – كما يَصفُه أَعلام العربية – ثورة في الأَدب العربي شكْلًا وتيارات.

وعند سرير وفاته في مستشفى القديس فنسنْت، كنت أَنا الوحيد الحاضر بين أَصدقائه اللبنانيين والسوريين. ثم عدتُ إِلى هذه البلاد (لبنان) بعد سنة على وفاة صديقي، وسنة 1934 أَصدرتُ بالعربية سيرة مفصَّلة عن حياته في كتاب من نحو 300 صفحة بات اليوم من المراجع الكلاسيكية المكرَّسة.

خلال حياتنا معًا في نيويورك، نادرًا ما كتَب جبران نصًّا بالعربية أَو الإِنكليزية إِلَّا قَرَأَه عليّ قبل إِرساله إِلى الطباعة. وكذلك كنتُ أَنا أَقرأُ عليه ما كنتُ أَكتب. وإِهداؤُه كتُبَه المعتادُ إِليَّ كان دومًا: “إِلى أَخي ورفيقي الأَحَبّ”، وما زلتُ أَحتفظ بنحو عشرين رسالة منه إِليّ، معظمُها شخصيّ وخاصّ. من هنا يمكنكَ تقدير معرفتي بجبران وبجميع مؤَلفاته العربية والإِنكليزية.

حين أَخبرَني السيد كيروز عمَّا تعانيه من صعوبة في إِيجاد مترجِم يتولى ترجمة بعض كتب جبران العربية الباكرة، ومن حرصي على صديقي الراحل، أَبديتُ كلَّ استعداد لمراجعة الدقة والأَمانة في أَيِّ ترجمة، لا أَن أَكون أَنا هذا المترجِم. خصوصًا أَن ناشرين كثيرين في العالم العربي أَصدرُوا هنا وهناك كتُبًا عربية لجبران أَدخلوا فيها نصوصًا ليسَت له، عدا صدورها بأَخطاء طباعية فاضحة.

أَما أَنا، فأَعمالي الكتابية لا تتيح لي وقتًا أُخصِّصه للترجمة. وضعتُ حتى اليوم اثنَي عشر كتابًا بالعربية، واثنين بالإِنكليزية ما زالا مخطُوطَين. لكني، كي أُساعدكَ وأُساعدَ لجنة جبران في البحث وأَخدمَ ذكرى صديقي جبران، يمكنني أَن أَبحث عن وقتٍ أُخصِّصه لأُراجع أَيَّ ترجماتٍ قد تَصلُكَ، إِذا كنتَ راغبًا في ذلك. وهذا عملٌ يُسعدني أَن أَقوم به من دون أَيّ مقابل. والسيد إِندرو غَرِيْب، قبل أَن يُصدر ترجماتِهِ نصوصَ جبران العربية إِلى الإِنكليزية، كان غالبًا يُطْلعُني عليها سائلًا رأْيي ومشورتي.

وأُضيف بأَنَّ نصوصًا كثيرة لـجبران بالعربية، غيرَ المترجَمة بعدُ إِلى الإِنكليزية، هي أَدنى قيمةً ونضجًا من كتاباته الإِنكليزية اللاحقة. إِنما يمكن أَيّ ضليع في كتابات جبران أَن ينتقي منها مختاراتٍ يترجمها إِلى الإِنكليزية إِن كان متمكنًا من اللغتين معًا.

تمنياتي لكَ، سيد كنوف، واحترامي

ميخائيل نعيمه

الكتاب الذي وردَت فيه رسالة نعيمه

لا تظْلُمُوا نعيمه

قد يبدو ظاهر رسالة نعيمه رفضًا مهذبًا ترجمةَ نصوص جبران العربية وقد يجد فيها البعض أَنانيةً حيال صديق عمره جبران.

لكنَّ هذا يَظْلُم نعيمه ويجافي الحقيقة، لأَن نعيمه – أَقلَّه وفْق منطقه هو – لم يقصِّر في خدمة صديقه جبران. فهو أَصدر سنة 1934 أَول بيوغرافيا عنه في كتابه الشهير “جبران خليل جبران: حياتُه، موتُه، أَدبُهُ، فنُّهُ” (مطبعة “لسان الحال” – بيروت)، وعاد فوضَع ترجمةً لها (مشذِّبًا منها ما أَثار عليه من عواصف لدى ظهور الطبعة العربية) وأَصدرها سنة 1950 لدى “منشورات “المكتبة الفلسفية” – نيويورك، وهي دار أَميركية محترمة متخصِّصة في نشر مؤْلفات سيكولوجية وفلسفية ودينية وتاريخية، أَسَّسها داغوبرت رونز (1902-1982) وهو ذاتُه صاحب مؤَلفات فلسفية، ونشَر مؤَلفات عدة، منها أَعمال 22 كاتبًا نالوا جائزة نوبل، بينهم أَلبرت آينشتاين وجان بول سارتر وسيمون دوبوفوار وأَلبرت شويتزر وسواهم.

إِلى ذلك، وضع نعيمة ترجمة لـ”النبي” صدرَت سنة 1956، وأَشرف على إِصدار مؤَلفات جبران الكاملة (العربية والمترجَمة) في جزءَين لدى “دار صادر”، صدَّرها بمقدمة مطوَّلة أَرَّخَها: “بسكنتا في 10 أَيلول/سبتمبر 1949”.

وأَخيرًا لا آخرًا، كتَب نعيمه بالإِنكليزية مقالًا تحليليًّا موسَّعًا عن “النبي” بعنوان “كُتَيِّبٌ غريب” لـمجلة “أَرامكو وورلد ماغازين” في عددها تشرين الثاني/نوفمبر – كانون الأَول/ديسمبر 1964 ص 10 إِلى 15).

هكذا يتَّضح أَن نعيمه لم يرفض بسلبية، ولم يعتذر عن ترجمة جبران تقصيرًا حيال صديق عمره.

فهو قام بما يكفي، كتابةً ومبادراتٍ، ليكون مخْلصًا فعلًا لجبران، أَيًّا يكن تنظيرُ الباحثين في تقييم هذا الإِخلاص.

كتاب أَرشيف منشورات كْنوف وفيها وثائق عن جبران